قال الحافظ الخطيب البغدادي في رسالته في الصفات في جوابه لأهل دمشق (ص: ٢٠)[تحقيق: عمرو عبد المنعم]: "أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه.
والأصل في هذا أنّ الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح. ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد) ".
وذكر نصّ هذه الرسالة عن الخطيب البغدادي ابنُ قدامة، وساقها بسنده إليه كما في ذم التأويل (ص: ١٥).
وذكرها أيضاً الحافظ الذهبي بسنده إليه في كتابه سير أعلام النبلاء (١٨/ ٢٨٢ - ٢٨٤)، وفي كتابه العرش (٢/ ٤٥٧)، وفي كتابه تذكرة الحفاظ (٣/ ٢٢٥)، وفي كتابه العلو للعلي الغفار (ص: ٢٥٣).