[٨٦ - قول الحافظ أبي عبد الله الذهبي مؤرخ الإسلام (المتوفى: ٧٤٨)]
قال الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: ٢٥١): "فتفرع من هذا أن الظاهر يُعنى به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره "قرآءتها تفسيرها"، يعني أنها بينّة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أيضا أنها لا تُشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته".
وقال أيضًا في العلو للعلي الغفار (ص: ١٣) بعد ذكره لآيات العلو: "فإننا على أصل صحيح وعقد متين من أن الله تقدس اسمه لا مثل له، وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة؛ إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها، ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".
وقال في كتاب العرش (٢/ ٢٣٤) بعد ذكره لقول مالك المتقدم: "وقد تقدم نحوه عن أم سلمة، ووهب بن منبه، وربيعة الرأي. فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا الكيفية عنه، وأخبروا أنها مجهولة".
وقال في العلو للعلي الغفار (ص: ١٣٩): "وهو [أي قول مالك في الاستواء] قول أهل السنة قاطبة أنّ كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا".
وقال في العلو للعلي الغفار (ص: ٢٥٤) بعد أن ذكر قول الخطيب البغدادي في إمرار أحاديث الصفات على ظاهرها، وأن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات: "وقال نحو هذا القول قبل الخطيب الخطابي أحد الأعلام. وهذا الذي علمت من مذهب السلف. والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وُضعت له كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم. وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا. والله أعلم".
وقال في المهذب في اختصار سنن البيهقي (٨/ ٩٤٤١) عند تعقبه تأويل البيهقي لصفة الفرح لله تعالى: "قلتُ: ليت المؤلف سكت؛ فإن الحديث من أحاديث الصفات التي تمر على ما جاءت كما هو معلوم من مذهب السلف، والتأويل الذي ذكره ليس بشيء، فإن يُسأل عن معنى الرضا فيؤوله بمعنى الإرادة, والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل فرح الخالق عز وجل أشد من فرح الذي ضلت راحلته، فتأمل هذا وكف, واعلم أنّ نبيك لا يقول إلا حقا، فهو أعلم بما يجب لله وما يمتنع عليه من جميع الخلق".
وقال في سير أعلام النبلاء (١٤/ ٣٣٢): "قلتُ: قد صار الظاهر اليوم ظاهرين: أحدهما حق، والثاني باطل.
فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد متكلم، حي عليم، كل شيء هالك إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا، وأمثال ذلك، فنمرّه على ما جاء، ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك.
والظاهر الآخر وهو الباطل، والضلال: أن تعتقد قياس الغائب على الشاهد، وتمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثيل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، وهذا أمر يستوي فيه الفقيه والعامي. والله أعلم".
وقال في سير أعلام النبلاء (٩/ ٢٧) بعد ذكره لقول نعيم بن حماد: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه":
"قلتُ: هذا الكلام حق, نعوذ بالله من التشبيه, ومن إنكار أحاديث الصفات, فما ينكر الثابت منها مَن فقُه, وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان:
تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب, فما أولها السلف ولا حرّفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمرّوها كما جاءت.
المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف -عز وجل- لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية البارئ تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة نقر بها، ونعتقد أنها حق ولا نمثلها أصلا ولا نتشكلها".
وقال أيضًا في العلو للعلي الغفار (ص: ٢٦٥ - ٢٦٦): "وتكلّم الرب به [أي: القرآن] صفة من صفاته التي من لوازم ذاته المقدسة، فلا نعلم كيفية ذلك".
وقال أيضًا في رسالته إثبات صفة اليد (ص: ٤٢، ٤٦) [ضمن مجموع رسائل بتحقيق: عبد الله البراك] بعد ذكره للآيات والأحاديث والآثار: "فإن قيل: لا تكون اليد حقيقة إلا جارحة وجسما.
قيل: فما تقولون في يدي الله تعالى؟ فإن قالوا: نقول: بمعنى القدرة.
قيل: فالقدرة لا تكون [إلا] عرضا، ولا تُعقل إلا عرضًا.
فإن قالوا: إنما تكون عرضًا فينا.
قلنا: إنما تكون جارحة فينا ...
ولِمَ قلتم أيضًا: إن اليد إنما تكون حقيقة هذه الجارحة، بل إنما اليد لفظ مشترك، وهي بحسب ما تضاف إليه ومن جنس ما توصف بها، فإن كان الموصوف بها حيواناً كانت جارحة، وإن كان تمثالاً من صفراء وحجر كانت صفراء وحجر، وإن كان تمثالاً عرضاً في حائط كانت عرضاً في حائط، وإن كان ليس كمثله شيء وليس بجسم كانت ليس كمثلها شيء وليست بجسم ...
فنقول: لله تعالى يد حقيقة تليق به، ولا يلزم من ذلك محذور من تشبيه أو تجسيم".