للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجْلِهِ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَنْ لَا تَعْدِلُوا، فَحَذَفَ لَا، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فِي تَرْكِ الْعَدْلِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا أَيْ: لِتَكُونُوا فِي اتِّبَاعِكُمُوهُ عُدُولًا، تَنْبِيهًا أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَتَحَرِّيَ الْعَدَالَةِ مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْمَعْنَى اتْرُكُوا مُتَابَعَةَ الْهَوَى حَتَّى تَصِيرُوا مَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْعَدْلِ، وَالْعَدْلُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَمَنْ تَرَكَ أَحَدَ النَّقِيضَيْنِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْآخَرُ، فَالتَّقْدِيرُ: لِأَجْلِ أَنْ تَعْدِلُوا.

وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمَأْمُورِينَ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَالشَّهَادَةِ لِلَّهِ، وَالْمَنْهِيِّينَ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ فِي لَيِّ الْحَاكِمِ عُنُقَهُ عَنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَحْوَهُ قَالَ: لَيُّ الْحَاكِمِ شِدْقَهُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَيْلًا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٌ: هِيَ فِي الشُّهُودِ يَلْوِي الشَّهَادَةَ بِلِسَانِهِ فَيُحَرِّفُهَا وَلَا يَقُولُ الْحَقَّ فِيهَا، أَوْ يُعْرِضُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فِيهَا، وَيَقُولُ مَعْنَاهُ: يُدَافِعُوا الشَّهَادَةَ مِنْ لَيِّ الْغَرِيمِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنْ تَلْوُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْ شَهَادَةِ الْحَقِّ، أَوْ حُكُومَةِ الْعَدْلِ، أَوْ تُعْرِضُوا عَنِ الشَّهَادَةِ بِمَا عِنْدَكُمْ وَتَمْنَعُوهَا.

وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ فِي الشَّاذِّ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ: وَإِنْ تَلُوا بِضَمِّ اللَّامِ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ، وَلَحَّنَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ قَارِئَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. قَالَ: لَا مَعْنَى لِلِّوَايَةِ هُنَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي السَّبْعِ، وَلَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَتَخْرِيجٌ حَسَنٌ. فَنَقُولُ: اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تَلْوُوا.

فَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْوِلَايَةِ أَيْ: وَإِنْ وَلِيتُمْ إِقَامَةَ الشَّهَادَةِ أَوْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ إِقَامَتِهَا، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ اللَّيِّ وَأَصْلُهُ: تَلْوُوا، وَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ الْمَضْمُومَةُ هَمْزَةً، ثُمَّ نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى اللَّامِ وَحُذِفَتْ. قَالَ الْفَرَّاءُ، وَالزَّجَّاجُ، وَأَبُو عَلِيٍّ، وَالنَّحَّاسُ، وَنُقِلَ عَنِ النَّحَّاسِ أَيْضًا أَنَّهُ اسْتُثْقِلَتِ الْحَرَكَةُ عَلَى الْوَاوِ فَأُلْقِيَتْ عَلَى اللَّامِ، وَحُذِفَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً هَذَا فِيهِ وَعِيدٌ لِمَنْ لَوَى عَنِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ مُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَالشَّهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>