للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلِ انْقَضَى عِنْدَهُ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ثُمَّ أَضْمَرَ مُبْتَدَأً أَخْبَرَ عَنْهُ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ يُبَيِّنُهُ مَا قَبْلَهُ تَقْدِيرُهُ طَعَامُهُمْ مِنْ أَوْسَطِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مِنْ أَوْسَطِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ تَكُونُ الْكَافُ فِي كِسْوَتُهُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ مِنْ أَوْسَطِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَنْصُوبٌ، وَإِذَا فُسِّرَتْ كَأُسْوَتِهِمْ فِي الطَّعَامِ بَقِيَتِ الْآيَةُ عَارِيَةً مِنْ ذِكْرِ الْكُسْوَةِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَانِثَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالْعِتْقِ وَهِيَ مُخَالَفَةٌ لِسَوَادِ الْمُصْحَفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ كَأُسْوَتِهِمْ فِي الْكُسْوَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ قيمة الطعام والكسوة وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ويجزئ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدِ الْمَسَاكِينَ بِوَصْفٍ فَيَجُوزُ صَرْفُ ذَلِكَ إِلَى الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُجْزِئُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ ذَلِكَ إِلَى الْمُرْتَدِّ.

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ تَسْمِيَةُ الْإِنْسَانِ رَقَبَةً تَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ وَخُصُّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ غَالِبًا مَحَلٌّ لِلتَّوَثُّقِ وَالِاسْتِمْسَاكِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْمِلْكِ، وَكَذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ رَأْسٌ، وَالتَّحْرِيرُ يَكُونُ بِالْإِخْرَاجِ عَنِ الرِّقِّ وَعَنِ الْأَسْرِ وَعَنِ الْمَشَقَّةِ وَعَنِ التَّعَبِ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أَبَنِي غُدَانَةَ إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ ... فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْنِ جِعَالِ

أَيْ حَرَّرْتُكُمْ مِنَ الْهَجَا، وَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْكَفَّارَةِ بِتَحْرِيرِ مَا يَصْدُرُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَيْءٍ آخَرَ فَيُجْزِئُ عِتْقُ الْكُفَّارِ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ الْكَافِرُ وَمَنْ بِهِ نَقْصٌ يَسِيرٌ مِنْ ذَوِي الْعَاهَاتِ، وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ إِجْزَاءَ الكافر، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ كَافِرٌ وَلَا أَعْمًى وَلَا أَبْرَصُ وَلَا مَجْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَجَمَاعَةٌ: وَفَرَّقَ النَّخَعِيُّ فَأَجَازَ عِتْقَ مَنْ يَعْمَلُ أَشْغَالَهُ وَيَخْدِمُ وَمَنَعَ عِتْقَ مَنْ لَا يَعْمَلُ كَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدِ وَأَشَلِّ الْيَدَيْنِ.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَيْ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنَ الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالْعِتْقِ فَلَوْ كَانَ مَالُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَوَجَدَ مَنْ يُسْلِفُهُ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُسْلِفُهُ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُ مَالِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَيَصُومُ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ الْآنَ، وَقِيلَ يَنْتَظِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَعَنْ كُسْوَتِهِمْ بِقَدْرِ مَا يُطْعِمُ أَوْ يَكْسُو فَهُوَ وَاجِدٌ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَقَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْجُوعَ أَوْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَطْعَمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا قَدْرُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ صَامَ، وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>