للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ لَهُ دِرْهَمَانِ أَطْعَمَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ، وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ به في معاشه أن يَصُومُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَطَاوُسٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالنَّخَعِيُّ. أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْكُسْوَةَ، ثُمَّ الْإِطْعَامَ وَبَدَأَ اللَّهُ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ عَلَى الْحَالِ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا لَازِمَةٌ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا حَنِثَ الْعَبْدُ فَقَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّوْمُ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَحَكَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَاءٌ وَلَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّدَقَةِ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَالصَّوْمُ أَصْوَبُ، وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَطْعَمَ أَوْ كَسَى بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ وَفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ بمين، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِقْدَارُ نِصَابٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِقْدَارُ زَكَاتِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: ثُلْثُ مَالِهِ وَلَوْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ:

لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا وَلَوْ حَلَفَ بِالْعِتْقِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا الْعِتْقُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَمَنْ قَالَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لَهُ فَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ الطَّلَاقَ لَازِمٌ لِمَنْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ.

ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ وَاسْتَدَلَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْيَمِينِ. وَقِيلَ الْحِنْثُ وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ فَهُمْ يُقَدِّرُونَ مَحْذُوفًا أَيْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ.

وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ بَرُّوا فِيهَا وَلَا تَحْنَثُوا، أَرَادَ الْأَيْمَانَ الَّتِي الْحِنْثُ فِيهَا مَعْصِيَةٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ اسْمُ جِنْسٍ يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ وَعَلَى كُلِّهِ، وَقِيلَ احْفَظُوهَا بِأَنْ تُكَفِّرُوهَا، وَقِيلَ احْفَظُوهَا كَيْفَ حَلَفْتُمْ بِهَا وَلَا تَنْسَوْهَا تَهَاوُنًا بِهَا.

كَذلِكَ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَيَانِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ أَعْلَامَ شَرِيعَتِهِ وَأَحْكَامَهُ.

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعْمَتَهُ فِيمَا يُعْلِمُكُمْ وَيُسَهِّلُ عَلَيْكُمُ الْمَخْرَجَ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>