للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ أَيْ مِثْلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ وَجَدَهُمْ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ كَفَرَةٌ مِثْلُهُمْ، وَحُكْمُهُمْ مِثْلُ حُكْمِهِمْ فِي التَّعْذِيبِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِحْسَانِ لِمَنْ آمَنَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَذلِكَ أَيْ أَمْرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا وَصَفْنَاهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ. وَقِيلَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً مِثْلَ ذَلِكَ السِّتْرِ الَّذِي جَعَلْنَا لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ وَالْحُصُونِ وَالْأَبْنِيَةِ وَالْأَكْنَانِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، وَالثِّيَابِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

كَذلِكَ مَعْنَاهُ فَعَلَ مَعَهُمْ كَفِعْلِهِ مَعَ الْأَوَّلِينَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَخْبَرَ بِقَوْلِهِ كَذلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ إِحَاطَتِهِ بِجَمِيعِ مَا لَدَى ذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذلِكَ اسْتِئْنَافَ قَوْلٍ وَلَا يَكُونُ رَاجِعًا عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَتَأَمَّلْهُ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ انتهى.

وَإِذَا كَانَ مُسْتَأْنَفًا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ يُتِمُّ بِهِ كَلَامًا.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا.

سَبَباً أَيْ طَرِيقًا أَوْ مَسِيرًا مُوَصِّلًا إِلَى الشَّمَالِ فَإِنَّ السَّدَّيْنِ هُنَاكَ. قَالَ وَهْبٌ:

السَّدَّانِ جَبَلَانِ مَنِيفَانِ فِي السَّمَاءِ مِنْ وَرَائِهِمَا وَمِنْ أَمَامِهِمَا الْبُلْدَانُ، وَهُمَا بِمُنْقَطَعِ أَرْضِ التُّرْكِ مِمَّا يَلِي أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ. وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُمَا جَبَلَانِ مِنْ وَرَاءِ بِلَادِ التُّرْكِ. وَقِيلَ:

هُمَا جَبَلَانِ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ لَيِّنَانِ أَمْلَسَانِ، يُزْلَقُ عَلَيْهِمَا كُلُّ شَيْءٍ، وَسُمِّيَ الْجَبَلَانِ سَدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَدَّ فِجَاجَ الْأَرْضِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا فَجْوَةٌ كَانَ يَدْخُلُ مِنْهَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.

وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بَيْنَ السَّدَّيْنِ بِفَتْحِ السِّينِ.

وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ:

بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ فَهُوَ بِالضَّمِّ، وَمَا كَانَ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ فَبِالْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>