وتهامة، وقال صفوان بن أمية لأبي عزّة الشاعر الذي لا ينسى القارىء أن الرسول منّ عليه ببدر، وأطلقه من غير فداء: إنك رجل شاعر، فأعنّا بلسانك، فقال: إني عاهدت محمّدا ألاأعين عليه، وأخاف أن وقعت في يده مرة ثانية ألّا أنجو، فلم يزل به صفوان حتى أطاعه، وذهب يستنفر الناس لحرب المسلمين، ودعا جبير بن مطعم غلاما حبشيا له اسمه وحشي، وكان راميا قلّما يخطىء. فقال له:
اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة بعمّي طعيمة فأنت حرّ. ثم خرج الجيش، ومعهم القيان والدفوف والمعازف والخمور، واصطحب الأشراف منهم نساءهم كيلا ينهزموا، ولم يزالوا سائرين حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة.
أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان قد بلغه الخبر من كتاب بعث به إليه عمه العباس بن عبد المطلب الذي لم يخرج مع المشركين في هذه الحرب محتجّا بما أصابه يوم بدر. ولمّا وصلت الأخبار باقتراب المشركين، جمع عليه الصلاة والسلام أصحابه وأخبرهم الخبر. وقال: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن هم أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم، فكان مع رأيه شيوخ المهاجرين والأنصار، ورأى ذلك أيضا عبد الله بن أبي، أما الأحداث وخصوصا من لم يشهد بدرا منهم فأشاروا عليه بالخروج، وكان مع رأيهم حمزة بن عبد المطلب، وما زال هؤلاء بالرسول حتى تبع رأيهم، لأنهم الأكثرون عددا والأقوون جلدا، فصلى الجمعة بالناس في يومها لعشر خلون من شوال وحضّهم في خطبتها على الثبات والصبر وقال لهم:«لكم النصر ما صبرتم» ثم دخل حجرته ولبس عدّته فظاهر بين درعين «١» ، وتقلّد السيف، وألقى الترس وراء ظهره. ولما رأى ذوو الرأي من الأنصار أنّ الأحداث استكرهوا الرسول على الخروج لاموهم، وقالوا ردوا الأمر لرسول الله، فما أمر ائتمرنا، فلمّا خرج عليه الصلاة والسلام قالوا: يا رسول الله نتّبع رأيك فقال: ما كان لنبي لبس سلاحه أن يضعه حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، ثم عقد الألوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن الحضير، وخرج من المدينة بألف رجل. فلمّا وصلوا رأس الثنية نظر عليه الصلاة والسلام إلى كتيبة كبيرة، فسأل عنها فقيل هؤلاء حلفاء عبد الله بن
(١) أي لبس درعا فوق درع وهما ذات الفضول وفضة التي أصابها من قينقاع (المؤلف) .