للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذا الدين منّة منه وفضلا لساءت الحال. وكان جلاء الأحزاب في ذي القعدة، وكان حقا على الله أن يسمّيه نعمة بقوله في سورة الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً «١» .

[غزوة بني قريظة]

ولمّا رجع عليه الصلاة والسلام بأصحابه، وأراد أن يخلع لباس الحرب، أمره الله باللحوق ببني قريظة «٢» ، حتى يطهّر أرضه من قوم لم تعد تنفع معهم العهود، ولا تربطهم المواثيق، ولا يأمن المسلمون جانبهم في شدّة، فقال لأصحابه: «لا يصلينّ أحد منكم العصر إلّا في بني قريظة» فساروا مسرعين، وتبعهم عليه الصلاة والسلام راكبا على حماره، ولواؤه بيد علي بن أبي طالب، وخليفته على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وكان عدد المسلمين ثلاثة الاف، وقد أدرك جماعة من الأصحاب صلاة العصر في الطريق فصلّاها بعضهم حاملين أمر الرسول بعدم صلاتها على قصد السرعة، ولم يصلّها الاخرون إلّا في بني قريظة بعد مضي وقتها حاملين الأمر على حقيقته فلم يعنّف فريقا «٣» منهم. ولمّا رأى بنو قريظة جيش المسلمين ألقى الله الرعب في قلوبهم، وأرادوا التنصّل من فعلتهم القبيحة وهي الغدر بمن عاهدوهم وقت الشغل بعدو اخر، ولكن أنّى لهم ذلك وقد ثبت للمسلمين غدرهم، فلمّا رأوا ذلك تحصّنوا بحصونهم وحاصرهم


(١) اية ٩ إلى ١٣.
(٢) وفي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت لما رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخندق، وضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل فقال قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فأخرج إليهم «قال فإلى اين» قال: هاهنا وأشار إلى قريظة فخرج إليهم
(٣) رواه البخاري ومسلم وفي هذا دليل على أن كل مختلفين في الفروع أن المجتهد فيه مصيب. وقد رواه أيضا البيهقي من طريقين ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها. وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف.

<<  <   >  >>