للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معه من الأنصار والمهاجرين، وهم امنون مطمئنون، وكانت المساجد على عهد رسول الله في غاية من البساطة ليس فيها شيء مما اعتاده بناة المساجد في القرون الأخيرة، لأن الرسول وأصحابه لم يكن جلّ همّهم إلّا منصرفا لتزيين القلوب، وتنظيفها من حظ الشيطان، فكان سور المسجد لا يتجاوز القامة وفوقه مظلة يتّقى بها حرّ الشمس.

[الوصول إلى المدينة]

ثم تحوّل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة والأنصار محيطون به متقلدي سيوفهم، وهنا حدّث ولا حرج عن سرور أهل المدينة، فكان يوم تحوّله إليهم يوما سعيدا لم يروا فرحين بشيء فرحهم برسول الله، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع «١»

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع

وكان الناس يسيرون وراء رسول الله ما بين ماش وراكب يتنازعون زمام ناقته كلّ يريد أن يكون نزيله.

أول جمعة «٢»

وأدركته عليه الصلاة والسلام صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف «٣» ، فنزل وصلّاها وهذه أول جمعة له عليه الصلاة والسلام، وأول خطبة خطبها عليه الصلاة والسلام؛ حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيّها الناس فقدّموا لأنفسكم، تعلّمنّ والله ليصعقنّ أحدكم، ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راع، ثم ليقولنّ له ربه، ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلّغك وأتيتك مالا وأفضلت عليك؟، فما قدّمت لنفسك؟ فلينظرنّ يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرنّ قدّامه فلا يرى غير جهنم، فمن أستطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشقّ


(١) المنطقة التي يصل إليها المشيعون.
(٢) صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول جمعة بالمدينة في المسجد الذي في بطن الوادي بمن معه من المسلمين وهم مائة وسمي هذا المسجد بمسجد الجمعة وهو على يمين السالك نحو قباء.
(٣) ابن مالك الأشجعي- له ولأبيه صحبة.

<<  <   >  >>