أما الإقامة وهي الدعوة للصلاة في المسجد، فقد اختلفت الروايات في نصّها فرواها محمّد بن ادريس الشافعي مفردة إلّا لفظ قد قامت الصلاة فمثنى، ورواها مالك بن أنس مفردة كلها، ورواها أبو حنيفة النعمان مثنى كلها.
[يهود المدينة]
هذا وكما ابتلى الله المسلمين في مكّة بمشركي قريش ابتلاهم في المدينة بيهودها وهم بنو قينقاع وقريظة والنّضير-، فإنهم أظهروا العداوة والبغضاء حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم أنه الحقّ، وكانوا قبل مجيء الرسول يستفتحون على المشركين من العرب إذا شبّت الحرب بين الفريقين بنبي يبعث قد قرب زمانه، فلمّا جاءهم ما عرفوا استعظم رؤساؤهم أن تكون النبوة في ولد اسماعيل، فكفروا بما أنزل الله بغيا، مع أنهم يرون أن رسول الله محمدا لم يأت إلا مصدقا لما بين يديه من كتب الله التي أنزلها على من سبقه من المرسلين مبيّنا ما أفسده التأويل منها، ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. ومما عابوه على الإسلام نسخ الأحكام، وما دروا أن القادر العليم يعلم ما يحتاجه الإنسان أكثر منهم، فإنه ميال بطبعه للترقّي، والرسول عليه الصلاة والسلام وجد بادىء بدء بين جماعة من العرب أميين ليسوا على شيء من الاعتقادات الإلهية، فكانت الحكمة داعية لأن يكون التشريع لهم على التدريج، لأنه لو حرّم الله عليهم شرب الخمر وأكل الربا، وأمرهم بالصلاة والزكاة وهكذا إلى اخر الأوامر والمناهي التي جاء بها الشرع الإسلامي لما أجابه أحد من هؤلاء النافرة قلوبهم، المختلفة أهواؤهم الذين كانوا منغمسين في كثير من الأضاليل، فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالأمر شيئا فشيئا حتى روّضت عقولهم، وهذّبت نفوسهم، وكانت الأحكام لا ينزلها الله عليه إلا عقب الحوادث التي تقتضيها، ليكون التأثير في النفوس أشدّ، ولكن اليهود أرادوا غل يد القدرة عن أن تفعل إلّا ما يشتهون، وقد حجّهم القران الشريف بما يدلّ على أنهم يعلمون من نفوسهم البعد عن الحق، فقال في سورة
حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك. وتبين مما مضى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أحدث الأذان على الزوراء (موضع بالسوق بالمدينة) ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت قياسا على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله فعلم مما مرّ أن الأذان بين يدي الخطيب بدعة حسنة لا سيئة.