للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، ومنهم من ابتلاه الله بأمراض شديدة فهلك منها كأبي لهب والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة.

[إسلام حمزة]

وكان بعض إيذائهم هذا سببا لإسلام عمّه حمزة بن عبد المطلب، فقد أدركته الحميّة عندما عيّرته بعض الجواري بايذاء أبي جهل لابن أخيه، فتوجه إلى ذلك الشقي وغاضبه وسبّه، وقال: كيف تسبّ محمدّا وأنا على دينه، ثم أنار الله بصيرته بنور اليقين حتى صار من أحسن الناس إسلاما، وأشدّهم غيرة على المسلمين، وأقواهم شكيمة على أعداء الدين حتى سمي أسد الله «٢» .

وكما أوذي الرسول عليه الصلاة والسلام أوذي أصحابه لاتباعهم له، خصوصا من ليس له عشيرة تحميه وتردّ كيد عدوه عنه، وكل هذا الأذى كان حلوا في أعينهم ما دام فيه رضاء الله، فلم يفتنوا عن دينهم بل ثبّتهم الله حتى أتم أمره على أيديهم، وصاروا ملوك الأرض بعد أن كانوا مستضعفين فيها، كما قال جلّ ذكره في سورة القصص وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ «٣» وقد حقق ما أراد.

ومن الذين أوذوا في الله: بلال بن رباح «٤» كان مملوكا لأمية بن خلف الجمحي القرشي، فكان يجعل في عنقه حبلا ويدفعه إلى الصبيان يلعبون به وهو


(١) أمه هالة بنت وهب. وهو أخو رسول الله من الرضاعة، وكان رضي الله عنه أسن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسنتين، وهو سيد الشهداء، واخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين زيد بن حارثة. أسلم سنة ست من النبوة وكنيته أبو عمارة وكان شجاعا، قوي الجسم، هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا وأبلى فيها بلاء عظيما، وشهد أحدا فقتل في السنة الثالثة من الهجرة رماه وحشي بحربة فقتله، ومثل به المشركون، ودفن عند أحد في موضعه، وكان عمره تسعا وخمسين سنة.
(٢) وزاد غير ابن اسحق في إسلام حمزة أنه قال: لما احتملني الغضب وقلت: أنا على قوله، أدركني الندم على فراق دين ابائي وقومي، وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم، ثم أتيت الكعبة وتضرّعت إلى الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدري للحقّ، ويذهب عني الريب، فما استتممت دعائي حتى زاح عني الباطل، وامتلأ قلبي يقينا، فغدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته بما كان من أمري. فدعا بأن يثبتني الله.
(٣) اية ٥.
(٤) مؤذن الرسول، قديم الإسلام والهجرة شهد المشاهد كلها مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو أول من أذن في الإسلام، وفضائله مشهورة، توفي بدمشق سنة عشرين وهو ابن أربع وستين سنة.

<<  <   >  >>