للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا أشكر إلّا الله الذي برّأني «١» . وبعد ذلك أمر عليه الصلاة والسلام بأن يجلد من صرّح بالإفك ثمانين جلدة وهي حد القاذف، وكانوا ثلاثة: حمنة بنت جحش «٢» ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت. وكان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة «٣» لقرابته منه، فلمّا تكلّم بالإفك قطع عنه النفقة، فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ «٤» أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٥» فقال أبو بكر: بل نحب ذلك يا رسول الله، وأعاد النفقة على مسطح. فهذه مضار المنافقين الذين يدخلون بين الأمم مظهرين لهم المحبة وقلوبهم مملوءة حقدا يتربصون الفتن، فمتى رأوا بابا لها ولجوه فنعوذ بالله منهم.

غزوة الخندق «٦»

لم يقرّ لعظماء بني النضير قرار بعد جلائهم عن ديارهم وإرث المسلمين لها، بل كان في نفوسهم دائما أن يأخذوا ثأرهم، ويستردّوا بلادهم، فذهب جمع منهم إلى مكّة، وقابلوا رؤساء قريش، وحرّضوهم على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنّوهم المساعدة، فوجدوا منهم قبولا لما طلبوه، ثم جاؤوا إلى قبيلة غطفان وحرّضوا


(١) وفي المسند من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر، فقبل رأسها، فقالت له: هلّا كنت عذرتني، فقال: أي سماء تظلني وأني أرض تقلني، إن قلت بما لا أعلم.
(٢) كانت زوج مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبد الله، فولدت له محمّدا وعمرا. وقال أبو عمر: كانت من المبايعات وشهدت أحدا فكانت تسقي العطشى وتحمل الجرحى وتداويهم، وهي والدة محمد بن طلحة المعروف بالسجاد.
(٣) كان اسمه عوفا وأما مسطح فهو لقبه وأمه بنت خالة أبي بكر أسلمت وأسلم أبوها قديما، فحديث الإفك ثبت في الصحيحين في حديث عائشة الطويل في الإفك، وفي الخبر الذي أخرجه أبو داود من وجه اخر عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جلد الذين قذفوا عائشة وعده منهم، ومات مسطح سنة ٣٤ في خلافة عثمان.
(٤) ولا يحلف.
(٥) سورة النور اية ٢٢ وقد روى هذه القصة الشيخان بالسند عن عائشة.
(٦) كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن اسحاق وعروة بن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفا وخلفا وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال: ثم كانت وقعة الأحزاب في شوال سنة أربع، وكذلك قال الإمام مالك بن أنس، فيما رواه أحمد بن حنبل عن موسى بن داود عنه. قال البيهقي: ولا اختلاف بينهم في الحقيقة، لأن مرادهم أن ذلك بعد مضي أربع سنين وقبل استكمال خمس، والصحيح قول الجمهور: إن أحدا في شوال سنة ثلاث وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة والله أعلم.

<<  <   >  >>