للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبيّ أو أن يأمر أحدا غيره بقتله فنهاه عن ذلك. وقال: كيف يا عمر إذا تحدّث الناس أن محمّدا يقتل أصحابه، ثم أذن بالرّحيل، في وقت لم يكن يرتحل فيه حين اشتدّ الحرّ، يقصد بذلك عليه الصلاة والسلام شغل الناس عن التكلّم في هذا الموضوع، فجاءه أسيد بن حضير، وسأله عن سبب الارتحال في هذا الوقت؟ فقال: أوما بلغك ما قال صاحبكم؟ زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، قال: أنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم سار عليه الصلاة والسلام بالناس سيرا حثيثا «١» حتى اذتهم الشمس، فنزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض حتى وقعوا نياما، وكلم رجال من الأنصار عبد الله بن أبيّ في أن يطلب من الرسول الاستغفار فلوى رأسه واستكبر. وهنا نزل على الرسول سورة المنافقين التي فضحت عبد الله بن أبيّ وإخوانه، وصدقت زيد بن أرقم، ولما بلغ ذلك عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، استأذن رسول الله في قتل أبيه حذرا من أن يكلف بذلك غيره، فيكون عنده من ذلك أضغان وأحقاد، فأمره عليه الصلاة والسلام بالإحسان إلى أبيه «٢» .

[حديث الإفك]

النادرة الثانية وهي أفظع من الأولى وأجلب منها للمصائب وهي رمي عائشة الصّدّيقة زوج رسول الله بالإفك، فاتهموها بصفوان بن المعطّل «٣» السّلمي وذلك أنهم لما دنوا من المدينة أذن عليه الصلاة والسلام ليله بالرحيل. وكانت السيدة عائشة قد مضت لقضاء حاجتها حتى جاوزت الجيش، فلمّا قضت شأنها أقبلت إلى


(١) سريعا.
(٢) وفي رواية ابن اسحاق أن عبد الله بن أبي بن سلول أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمر لي به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر لوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.
(٣) قال السهيلي: وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين، حتى يأتيهم به. سكن المدينة وشهد الخندق والمشاهد كلها يكنى أبا عمرو، وكان خيرا فاضلا شجاعا بطلا، وكان جلدا حصورا لا يأتي النساء، وقتل شهيدا في خلافة معاوية، واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها، وهي منكسرة، حتى مات.

<<  <   >  >>