للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وفود نجران]

وقد وفد على الرسول بعد الخروج من الشّعب وفد من نصارى نجران «١» بلغهم خبره من مهاجري الحبشة، فسارعوا بالقدوم عليه حتى يروا صفاته مع ما ذكر منها في كتبهم، وكانوا عشرين رجلا أو قريبا من ذلك، فقرأ عليهم القران فامنوا كلّهم، فقال لهم أبو جهل «٢» : ما رأينا ركبا أحمق منكم أرسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل فصبأتم! فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لكم ما أنتم عليه ولنا ما أخترناه، فأنزل الله في ذلك في سورة القصص «٣» الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ «٤» . وقد كان أهل مكة حينما عجزوا عن أمر رسول الله ولم يتمكّنوا من مقارعة الحجة بالحجة رموه بالسحر مرّة وبالكذب أخرى، وبالجنون طورا وبالكهانة تارة، كل ذلك شأن العاجز المعاند الذي لا يستحي لمزيد عناده أن يقول: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٥» .


معشر قريش، ان ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخي، فانتهوا عن قطيعتنا وأنزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم: رضينا فتعاقدوا على ذلك، ثم نظروا، فإذا هي كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فزادهم ذلك شرا، فعند ذلك صنع الرّهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.
(١) بلدة بين مكة واليمن على نحو من سبع مراحل من مكة.
(٢) ورد في سيرة ابن هشام فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيّبكم الله في ركب: بعثكم من ورائكم من أهل دنيكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده، حتى فارقتم دينكم، وصدّقتموه بما قال: ما نعلم ركبا أحمق منكم.
(٣) الاية ٥٢- ٥٥.
(٤) قال ابن اسحق: وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الايات فيمن أنزلن فقال لي: ما أسمع من علمائنا أنهنّ أنزلن في النجاشي وأصحابه. والاية من سورة المائدة من قوله (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) إلى قوله: (فاكتبنا مع الشاهدين) .
(٥) سورة الانفال الاية ٣٢.

<<  <   >  >>