للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديث الثلاثة الذين خلّفوا

وجاءه كعب بن مالك الخزرجي، ومرارة بن الرّبيع، وهلال بن أميّة الأوسيان مقرّين بذنوبهم، فلمّا دخل عليه كعب تبسّم تبسّم الغضب، وقال: ما خلّفك؟ فقال: يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أوتيت جدلا «١» ، ولكني والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله أن يسخط عليّ فيه، ولئن حدّثتك حديث صدق تغضب عليّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي من عذر. فقال عليه الصلاة والسلام: أمّا هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك. وقال صاحباه مثل قوله، فقال لهما عليه الصلاة والسلام كما قال لكعب، ونهى المسلمين عن كلامهم، فاجتنبهم الناس، وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم، واستأذنت زوج هلال بن أمية في خدمة زوجها لأنه شيخ ضائع ليس له خادم فأذن لها، ولم يزالوا كذلك حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا ألا ملجأ من الله إلّا إليه، ثم تاب عليهم، فأرسل لهم عليه الصلاة والسلام من يبشّرهم بهذه النّعمة الكبرى، فتلقاهم الناس أفواجا أفواجا يهنئونهم بتوبة الله. فلمّا دخل كعب المسجد تلقاه رسول الله مسرورا، فقال: أبشر يا كعب بخير يوم يمرّ عليك منذ ولدتك أمك، فقال: من عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: بل من عند الله. فقال كعب: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. ثم قرأ عليه الصلاة والسلام الايات التي فيها توبته هو وصاحباه في سورة براءة وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «٢» .

[وفود ثقيف]

وعقب مقدمه عليه الصلاة والسلام من تبوك وفد عليه وفد ثقيف، وكان من خبرهم أنه لمّا انصرف رسول الله من محاصرتهم تبع أثره عروة بن مسعود الثقفي


(١) أي فصاحة وقوة كلام.
(٢) اية ١١٨. وقصة توبة كعب مذكورة في الصحيحين.

<<  <   >  >>