للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحفظت عنه جولة، سواه. وحسبك ما فعله في حنين وأحد مما ذكرناه مستوفى.

وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع، ولا أنجد، ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «١» ، وقال عليّ: إنا كنّا إذا اشتدّ البأس واحمرّت الحدق اتّقينا برسول الله، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان أشدّ الناس يومئذ بأسا «٢» ، وقال أنس: كان عليه السلام أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم عليه الصلاة والسلام راجعا. قد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري، والسيف في عنقه، وهو يقول: «لن تراعوا» «٣» .

[حياؤه ص]

وأما الحياء والإغضاء، فكان عليه الصلاة والسلام أشدّ الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء، قال أبو سعيد الخدري: كان عليه الصلاة والسلام أشدّ حياء من العذراء في خدرها. وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه «٤» ، وكان عليه الصلاة والسلام لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس، قالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا «٥» ؟ ينهى عنه، ولا يسمّى فاعله، وقالت رضى الله عنها: لم يكن عليه الصلاة والسلام فاحشا، ولا متفحّشا، ولا صخابا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح «٦» .

[حسن عشرته وأدبه ص]

وأما حسن عشرته وأدبه، وبسط خلقه مع أصناف الخلق، فمما انتشرت به الأخبار الصحيحة، قال علي رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة «٧» ، وأكرمهم عشرة، وكان


(١) رواه الدارمي. ورجاله ثقات.
(٢) رواه أحمد والنسائي والطبراني والبيهقي وأخرج مسلم بعضه. وأبو يعلى وأبو الشيخ واحمّرت الحدق كناية عن اشتداد القتال.
(٣) رواه الشيخان. لن تراعوا: أي لن تخافوا خوفا يضركم.
(٤) رواه الشيخان.
(٥) رواه أبو داود والخرائطي في المنتقى من مكارم الأخلاق وإسناده حسن.
(٦) رواه الترمذي في السنن وفي الشمائل وأحمد وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
(٧) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعريكة أي طبيعة.

<<  <   >  >>