للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صليت الظهر فقوموا وقولوا: نحن نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله بعد أن تظهروا إسلامكم وتقولوا: نحن إخوانكم في الدّين» ، ففعلوا. فقال صلّى الله عليه وسلّم لاصحابه: «أما بعد فإنّ إخوانكم هؤلاء جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ عليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل» «١» ، فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله. وامتنع من ذلك جماعة من الأعراب كالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس، فأخذه الرسول منهم قرضا، وأمر صلّى الله عليه وسلّم بأن تحبس عائلة مالك بن عوف النصري رئيس تلك الحرب بمكّة عند عمتهم أمّ عبد الله بن أمية. فقال له الوفد: أولئك سادتنا، فقال صلّى الله عليه وسلّم:

إنما أريد بهم الخير، ثم سأل عن مالك فقالوا: هرب مع ثقيف، فقال: أخبروه أنه إن جاءني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل، فلمّا بلغ ذلك مالكا نزل من الحصن خفية حتى أتى رسول الله بالجعرانة فأسلم وأحرز ماله، واستعمله عليه الصلاة والسلام على من أسلم من هوازن.

[عمرة الجعرانة]

ثم إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم اعتمر فأحرم من الجعرانة ودخل مكّة بليل، فطاف واستلم الحجر ثم رجع من ليلته، وكانت إقامته بالجعرانة ثلاث عشرة ليلة، ثم أمر عليه الصلاة والسلام بالرّحيل، فسار الجيش امنا مطمئنا حتى دخل المدينة لثلاث بقين من ذي القعدة.

وغزوة حنين هي التي فرّق الله بها جموع الشرك، وأدال دولته، وأفقد سراة أهله، فإن هوازن لم تترك وراءها رجلا تمكّنه الحرب إلّا ساقته، ولم تترك لها بعيرا ولا شاة إلّا جاءت به معها، فأراد الله إعزاز الإسلام بخذلان أعدائه، وأخذ أموالهم، فانكسرت حدّة المشركين، ولم يبق فيهم من يمانع أو يدافع، ولذلك يمكننا أن نقول: إن انكسار هوازن كان خاتمة لحروب العرب، فلم يبق فيهم إلّا فئات قليلة يسوقهم الطيش إلى شهر السلاح، ثم لا يلبثون أن يغمدوا السيوف حينما تظهر لهم قوة الحقّ الساطعة.


(١) رواه البخاري: ومعنى يطيب: أي يرجع ما أخذ من السبي عن طيب نفس منه من غير عوض.

<<  <   >  >>