للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان مقبلا خير من أن يقتل مدبرا، فتراجعوا واتفقوا على تأمير الشهم الباسل خالد بن الوليد، وبهمّته ومهارته الحربية حمى هذا الجيش من الضياع إذ ما تفعل ثلاثة الاف بمائة وخمسين ألفا، فإنه لما أخذ الراية قاتل يومه قتالا شديدا. وفي غده خالف ترتيب العسكر. فجعل الساقة مقدمة، والمقدمة ساقة، والميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة، فظن الروم أن المدد جاء للمسلمين فرعبوا. ثم أخذ خالد الجيش وصار يرجع إلى الوراء حتى انحاز إلى مؤتة، ثم مكث يناوش الأعداء سبعة أيام، ثم تحاجز الفريقان لأن الكفّار ظنوا أن الأمداد تتوالى للمسلمين، وخافوا أن يجروهم إلى وسط الصحارى حيث لا يمكنهم التخلّص، وبذلك انقطع القتال. «وقد نعى النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وكانت عينا رسول الله تذرفان «١» ، ثم قال: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم» ، وجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر يبكين، فأمره أن ينهاهنّ، فذهب الرجل ثم أتى فقال: قد نهيتهن فلم يطعن! فأمره فذهب ثانيا ثم جاء فقال: والله لقد غلبننا، فقال له عليه الصلاة والسلام: «أحث في أفواههنّ التراب» ، ولما أقبل الجيش إلى المدينة، قابلهم المسلمون يقولون لهم: يا فرّار «٢» ، فقال عليه الصلاة والسلام بل هم الكرّار! ظن المقيمون بالمدينة أن انحياز خالد بالجيش هزيمة، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أراهم أن ذلك من مكايد الحرب وأثنى على خالد مهارته.

سرية «٣»

وفي جمادى الاخرة بلغه عليه الصلاة والسلام أن جمعا من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى ليغيروا على المدينة، فأرسل لهم عمرو بن العاص


(١) رواه البخاري تذرفان: تبكيان.
(٢) عند الحاكم أن خالد قاتلهم. فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأصاب غنيمة، وفي صحيح البخاري عن خالد لقد انقطعت في يدي يوم مؤته تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلّا صفيحة يمانية. كل هذا يدل على أن خالدا قاتل بالمسلمين الروم قتالا شديدا. ورواية الصحيح: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم، وهذا يؤكّد النصر؛ هذا الحديث والذي قبله أخرجهما البخاري.
(٣) هي سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل.

<<  <   >  >>