وتكلّم المنافقون بما بدا لهم، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يرسل لعيينة بن حصن، ويصالحه على ثلث ثمار المدينة لينسحب بغطفان، فأبى الأنصار ذلك قائلين: إنهم لم يكونوا ينالون منّا إلّا قليلا من ثمارنا ونحن كفار، أفبعد الإسلام يشاركوننا فيها؟! وإذا أراد الله العناية بقوم هيأ لهم أسباب الظفر من حيث لا يعلمون. فانظر إلى هذه العناية من الله للمتمسكين بدينه القويم.
جاء نعيم بن مسعود الأشجعي وهو صديق قريش واليهود ومن غطفان، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وقومي لا يعلمون بإسلامي فمرني بأمرك حتى أساعدك. فقال: أنت رجل واحد وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذّل عنّا ما استطعت فإن الحرب خدعة «١» .
[الخدعة في الحرب]
فخرج من عنده وتوجّه إلى بني قريظة الذين نقضوا عهود المسلمين، فلمّا رأوه أكرموه لصداقته معهم فقال: يا بني قريظة تعرفون ودّي لكم وخوفي عليكم، وإني محدّثكم حديثا فاكتموه عنّي، قالوا: نعم، فقال: لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع والنضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وديارهم، وإنّ قريشا وغطفان ليسوا مثلكم فهم إذ رأوا فرصة انتهزوها وإلّا انصرفوا لبلادهم. وأما أنتم فتساكنون الرجل يريد الرسول ولا طاقة لكم بحربه واحدكم فأرى ألاتدخلوا في هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم بأن تأخذوا منهم رهائن سبعين شريفا منهم، فاستحسنوا رأيه وأجابوه إلى ذلك.
ثم قام من عندهم وتوجّه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم، وقال: أنتم تعرفون ودّي لكم ومحبتي إيّاكم وإني محدّثكم حديثا فاكتموه عني، قالوا: نفعل، فقال لهم: إنّ بني قريظة قد ندموا على ما فعلوه مع محمد وخافوا منكم أن ترجعوا وتتركوهم معه، فقالوا له: أيرضيك أن نأخذ جمعا من أشرافهم ونعطيهم لك، وتردّ جناحنا الذي كسرت- يريد بني النضير- فرضي بذلك منهم. وها هم مرسلون إليكم فاحذروهم ولا تذكروا مما قلت لكم حرفا. ثم أتى غطفان