للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنزلت جهة أحد، وكان المشركون معجبين بمكيدة الخندق التي لم تكن العرب تعرفها، فصاروا يترامون مع المسلمين بالنبل. ولما طال المطال عليه أكره جماعة منهم على اقتحام الخندق، منهم: عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن ود واخرون، وقد برز عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لعمرو بن ود فقتله وهرب إخوانه، وهوى في الخندق نوفل بن عبد الله فاندقت عنقه ورمي «١» سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم قطع أكحله وهو شريان الذراع واستمرّت المناوشة والمراماة بالنبل يوما كاملا حتى فاتت المسلمين صلاة ذاك اليوم وقضوها بعد، وجعل عليه الصلاة والسلام على الخندق حرّاسا حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان يحرس بنفسه ثلمة «٢» فيه مع شدّة البرد، وكان عليه الصلاة والسلام يبشّر أصحابه بالنصر والظفر ويعدهم الخير. أما المنافقون فقد أظهروا في هذه الشدّة ما تكنّه ضمائرهم حتى قالوا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً «٣» وانسحبوا قائلين: إنّ بيوتنا عورة نخاف أن يغير عليها العدو وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً «٤» ، واشتدّت الحال بالمسلمين، فإنّ هذا الحصار صاحبه ضيق على فقراء المدينة، والذي زاد الشدّة عليهم ما بلغهم من أنّ يهود بني قريظة الذين يساكنونهم في المدينة قد انتهزوا هذه الفرصة لنقض العهود، وسبب ذلك أنّ حييّ بن أخطب سيد بني النضير المجليّين توجّه إلى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة، وكان له كالشيطان إذ قال للإنسان: اكفر، فحسّن له نقض العهد، ولم يزل به حتى أجابه لقتال المسلمين، ولمّا بلغت هذه الأخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسل مسلمة بن أسلم «٥» في مائتين، وزيد ابن حارثة في ثلاثمائة لحراسة المدينة خوفا على النساء والذراري، وأرسل الزبير ابن العوّام يستجلي له الخبر، فلمّا وصلهم وجدهم حانقين يظهر على وجوههم الشرّ، ونالوا من رسول الله والمسلمين أمامه، فرجع وأخبر الرسول بذلك.

وهنالك اشتدّ وجل المسلمين وزلزلوا زلزالا شديدا، لأنّ العدو جاءهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظنّوا بالله الظنون،


(١) رماه رجل من قريش يقال له حيان بن العرفة.
(٢) فرجة المكسور والمهدوم.
(٣) سورة الأحزاب اية ١٢.
(٤) سورة الأحزاب اية ١٣.
(٥) قتل يوم جسر أبي عبيد.

<<  <   >  >>