للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجالها كذلك، وأخبروهم بمبايعة قريش لهم على الحرب، فوجدوا منهم ارتياحا، فتجهزت قريش وأتباعها يرأسهم أبو سفيان، ويحمل لواءهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، وعددهم أربعة الاف معهم ثلاثمائة فرس وألف بعير.

وتجهزت غطفان يرأسهم عيينة بن حصن الذي جازى إحسان رسول الله كفرا، فإنه كما قدّمنا أقطعه أرضا يرعى فيها سوائمه، حتى إذا سمن خفّه وحافره، قام يقود الجيوش لحرب من أنعم عليه، وكان معه ألف فارس. وتجهّزت بنو مرّة يرأسهم الحارث بن عوف المري وهم أربعمائة، وتجهّزت بنو أشجع يرأسهم أبو مسعود ابن رخيلة «١» ، وتجهّزت بنو سليم يرأسهم سفيان بن عبد شمس، وهم سبعمائة، وتجهّزت بنو أسد يرأسهم طليحة بن خويلد الأسدي، وعدة الجميع عشرة الاف محارب قائدهم العام أبو سفيان. ولمّا بلغه عليه الصلاة والسلام أخبار هاته التجهيزات، استشار أصحابه فيما يصنع أيمكث بالمدينة أم يخرج للقاء هذا الجيش الجرّار؟ فأشار عليه سلمان الفارسي بعمل الخندق وهو عمل لم تكن العرب تعرفه، فأمر عليه الصلاة والسلام المسلمين بعمله، وشرعوا في حفره شمالي المدينة من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، وهذه هي الجهة التي كانت عورة تؤتى المدينة من قبلها. أما بقية حدودها فمشتبكة بالبيوت والنخيل، لا يتمكّن العدو من الحرب جهتها، وقد قاسى المسلمون صعوبات جسيمة في حفر الخندق، لأنهم لم يكونوا في سعة من العيش حتى يتيسر لهم العمل، وعمل معهم عليه الصلاة والسلام، فكان ينقل التراب متمثّلا بشعر ابن رواحة:

اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا «٢»

وأقام الجيش في الجهة الشرقية مسندا ظهره إلى سلع وهو جبل مطل على المدينة وعدّتهم ثلاثة الاف، وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة. أما قريش فنزلت بمجمع الأسيال «٣» ، وأما غطفان


(١) في الأصل أبو مسعود وهو خطأ وفي الإصابة وأسد الغاية مسعود بن رخيلة الأشجعي ثم أسلم فحسن اسلامه
(٢) في البخاري وفي رواية أخرى عن البراء فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ثم ذكر الرجز السابق.
(٣) الموضع الذي تجتمع فيه السيول.

<<  <   >  >>