للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه المعاملة الجليلة أن أسلم بنو المصطلق عن بكرة أبيهم، وكانوا للمسلمين بعد أن كانوا عليهم. وقد حصل في هذه الغزوة نادرتان، لولا أن صاحبتهما حكمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعادتا بالتفريق على المسلمين.

فأولاهما أنّ أجيرا «١» لعمر بن الخطاب اختصم مع حليف للخزرج «٢» ، فضرب الأجير الحليف حتى سال دمه، فاستصرخ بقومه الخزرج، واستصرخ الأجير بالمهاجرين، فأقبل الذعر من الفريقين، وكادوا يقتتلون لولا أن خرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ - وهي ما يقال في الاستغاثة يا لفلان- فأخبر الخبر، فقال: دعوا هذه الكلمة فإنها منتنة، ثم كلّم المضروب حتى أسقط حقّه، وبذلك سكنت الفتنة، فلمّا بلغ عبد الله بن أبي هذا الخصام غضب، وكان عنده رهط من الخزرج فقال: ما رأيت كاليوم مذلة أوقد فعلوها؟

نافرونا «٣» في ديارنا، والله ما نحن والمهاجرون إلا كما قال الأول: سمّن كلبك يأكلك، أما والله لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ «٤» ثم التفت إلى من معه، وقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير داركم، ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم غرضا للمنايا دون محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضّوا من عنده، وكان في مجلسه شاب حديث السن قوي الإسلام اسمه زيد بن أرقم «٥» ، فأخبر رسول الله الخبر، فتغير وجهه. قال: يا غلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت، فقال: والله يا رسول الله لقد سمعته. قال لعلّه أخطأ سمعك، فاستأذن عمر الرسول في قتل ابن


فاخفاهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي وقال: يا محمد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق؟ فقال الحارث: أشهد ألاإله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما اطلع على ذلك إلا الله فأسلم وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل إليه البعيرين. وحديث جويرية بنت الحارث في غزوة بني المصطلق رواه الشيخان وأبو داود.
(١) من بني غفار يقال له جهجاه بن مسعود.
(٢) سنان بن وبر حليف بني عوف بن الخزرج.
(٣) أي غلبونا وكاثرونا في بلادنا، أي وأنكروا ملّتنا.
(٤) سورة المنافقين اية ٨.
(٥) استصغر يوم أحد وأول مشاهده الخندق، وغزا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم سبع عشرة غزوة، وله أحاديث كثيرة وشهد صفين مع علي ومات بالكوفة سنة ٦٦ هـ.

<<  <   >  >>