للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «١» ثم شرع الناس يبايعون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام، وممن أسلم في هذا اليوم معاوية بن أبي سفيان وأبو قحافة «٢» والد الصديق، وقد فرح الرسول كثيرا بإسلامه. وجاء رجل يرتعد خوفا فقال له عليه الصلاة والسلام:

«هوّن عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امراة من قريش كانت تأكل القديد» «٣» .

أما الذين أهدر رسول الله دمهم فقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فمنهم من حقّت عليه كلمة العذاب فقتل، ومنهم من أدركته عناية الله فأسلم: فعبد الله بن سعد بن أبي سرح لجأ إلى أخيه من الرضاع عثمان بن عفّان، وطلب منه أن يستأمن له رسول الله، فغيّبه عثمان حتى هدأ الناس، ثم أتى به النبي وقال: يا رسول الله قد أمنّته فبايعه، فأعرض عنه عليه الصلاة والسلام مرارا ثم بايعه، فلمّا خرج عثمان وعبد الله قال عليه الصلاة والسلام، أعرضت عنه ليقوم إليه أحدكم فيضرب عنقه، فقالوا: هلّا أشرت إلينا؟ فقال: لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين «٤» .

وأما عكرمة بن أبي جهل فهرب فخرجت وراءه زوجته وبنت عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت قد أسلمت قبل الفتح «٥» ، وقد أخذت له أمانا من رسول الله فلحقته، وقد أراد أن يركب البحر «٦» فقالت: جئتك من عند أبرّ الناس وخيرهم، لا تهلك نفسك، وإني قد استأمنته لك فرجع، ولما راه عليه الصلاة والسلام وثب قائما فرحا به، وقال: مرحبا بمن جاءنا مهاجرا مسلما، ثم أسلم رضي الله عنه، وطلب من رسول الله أن يستغفر له كل عداوة عاداه إياها فاستغفر


(١) سورة الحجرات اية ١٣.
(٢) اسمه عثمان بن عامر، ولم يعش له ولد ذكر إلا أبو بكر، ولا نعرف له بنت إلا أم فروة التي أنكحها أبو بكر بن الأشعث بن قيس، وكانت قبله تحت تميم الداري.
(٣) رواه البيهقي عن ابن مسعود.
(٤) ثم أسلم وحسن إسلامه وعرف فضله وجهاده، فكان على ميمنة عمرو العاص حين افتتح مصر، وهو الذي افتتح أفريقيا، واعتزل الفتنة، ودعا الله أن يقبضه إثر صلاة الفجر، فصلى الصبح، فقبضت نفسه بين التسليمتين، وكان وفاته بعسفان.
(٥) الصواب عند الفتح.
(٦) روى أبو داود والنسائي أنه ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فنادى عكرمة اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فالهتكم لا تغني عنكم شيئا ها هنا، فقال عكرمة والله لئن لم ينجني من البحر إلّا الإخلاص لا ينجني في البر غيره اللهم لك عهد إن أنت عافيتني بما أنا فيه أن اتي محمدا أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا غفورا كريما.

<<  <   >  >>