للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمور كلها حتى تصل إلى درجة الكمال. ومن الصعب جدا على البشر تلقّى الوحي من الملك لأول مرة، ثم حبّب إليه عليه الصلاة والسلام الخلاء «١» ليبتعد عن ظلمات هذا العالم وينقطع عن الخلق إلى الله فإن في العزلة صفاء السريرة.

وكان يخلو بغار حراء «٢» فيتعبد فيه الليالي ذوات العدد، فتارة عشرا. وتارة أكثر إلى شهر. وكانت عبادته على دين أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويأخذ لذلك زاده، فإذا فرغ رجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء: فبينما هو قائم في بعض الأيام على الجبل إذ ظهر له شخص وقال: أبشر يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله إلى هذه الأمة. ثم قال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارىء، فإنه عليه الصلاة والسلام أمي لم يتعلم القراءة قبلا. فأخذه فغطه «٣» بالنمط الذي كان ينام عليه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ «٤» قال: ما أنا بقارىء، فأخذه فغطّه ثانية ثم أرسله، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارىء، فأخذه فغطه الثالثة، ثم أرسله فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «٥» فرجع بها عليه الصلاة والسلام يرجف فؤاده ممّا ألمّ به من الرّوع «٦» الذي استلزمته مقابلة الملك لأول مرة فدخل على خديجة زوجه، فقال: زمّلوني «٧» زمّلوني، لتزول عنه هذه القشعريرة «٨» فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي «٩» لأن الملك غطّه حتى كاد يموت، ولم يكن له عليه الصلاة والسلام علم قبل ذلك


(١) الانفراد.
(٢) جبل على مقربة من مكة. المؤلف. والغار ثقب فيه، وهو أول موضع نزل فيه القران.
(٣) ذكر السهيلي أن الغط ثلاث إشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يحصل له شدائد ثلاث ثم يحصل له التدرج بعد ذلك، فكانت الأولى ادخال قريش له صلّى الله عليه وسلّم في الشعب والتضييق عليه، والثانية، اتفاقهم على الاجتماع على قتله، والثالثة خروجه من أحب البلاد إليه. فغطه ضمه وعصره.
(٤) (اقرأ) هو أول ما نزل عليه من القران وهو الصواب الذي عليه جمهور السلف والخلف.
(٥) سورة الفلق اية ٦.
(٦) الفزع.
(٧) لفوني في ثوبي (المؤلف) (من شدة ما حصل له، وعادة ما تخف الرعدة بالتلفف) .
(٨) أي رعدة.
(٩) تكلم العلم في هذه الخشية منها أي خشيتها ألا أنهض بأعباء النبوة وأن أضعف عنها فذهب أبو بكر الاسماعيلي إلى أن هذه الخشية كانت منه قبل أن يحصل له العلم بأن الذي جاءه ملك من عند الله، وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه: مجنون.

<<  <   >  >>