للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من شتم ابائنا، وتسفيه عقولنا، وعيب الهتنا فإنهم كانوا إذا احتجوا بالتقليد في استمرارهم على عدم اتّباع الحقّ ذمّهم لعدم استعمال عقولهم فيما خلقت له قال الله تعالى في سورة البقرة وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ «١» وقال في سورة المائدة وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ «٢» وقال في سورة لقمان وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ «٣» وقال في سورة الزخرف في بيان حجتهم الداحضة قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «٤» ولما شبههم بمن قبلهم من الأمم في هذه المقالة الدالة على التعصب والعناد قال: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ «٥» فلمّا تمسكوا بحجة التقليد لابائهم جرّ ذلك إلى وصف ابائهم بعدم العقل وعدم الهداية، فهاج ذلك أضغانهم «٦» ، وقالوا لأبي طالب: إما أن تكفّه أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه ولم يطب نفسا بخذلان ابن أخيه، فقال له: يا ابن أخي إن القوم جاؤوني فقالوا لي كذا، فأبق على نفسك، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق، فظنّ الرسول أن عمّه خاذله فقال: والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت حتى يظهره الله أو أهلك دونه، ثم بكى وولى. فقال أبو طالب: أقبل يا ابن أخي فأقبل عليه، فقال: اذهب فقل ما أحببت والله لا أسلمك «٧» .


(١) اية ١٧٠.
(٢) اية ١٠٤.
(٣) اية ٢١.
(٤) اية ٢٣.
(٥) سورة الزخرف الاية ٢٤.
(٦) أحقادهم.
(٧) رواه البيهقي في دلائل النبوة.

<<  <   >  >>