للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في سورة البقرة سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها «١» :

ولكن لم يسمع عن أي واحد من رجالاتهم والمتصدرين للعناد منهم أن قال:

مالك ذممت الهتنا بعد أن مدحتها. وكان ذلك أولى لهم من تجريد السيوف وبذل مهج الرجال.

على أن المؤرّخين الذين ينقلون هذه العبارة ويجعلونها سببا لرجوع مهاجري الحبشة يقولون أثناء كلامهم إن الهجرة كانت في رجب، والرجوع كان في شوال.

ونزول سورة النجم كان في رمضان، فالمدة بين نزول السورة ورجوع المهاجرين شهر واحد، والمتأمّل أدنى تأمل يرى أن الشهر كان لا يكفي في ذاك الزمن للذهاب من مكة إلى الحبشة والإياب منها، لأنه لم يكن إذ ذاك مراكب بخارية تسهّل السير في البحر، ولا تلغراف يوصل خبر إسلام قريش لمن بالحبشة، فلا غرابة بعد ذلك إن قلنا: أن هذه الخرافة من موضوعات أهل الأهواء الذين ابتلى الله بهم هذا الدين، ولكن الحمد لله فقد منّ علينا بحفظ كتابنا المجيد، الذي يحكم بيننا وبين كل مفتر كذّاب ففي السورة نفسها وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى «٢» والذي يلقيه الشيطان من أقبح ما يروى، فكيف يقوله عليه الصلاة والسلام أو يجري على لسانه مما يثبت الشكوك في الوحي؟ الأمر الذي يريده السفهاء ردّ الله كيدهم في نحرهم. والذي ورد في الصحيح في موضوع هذا السجود ما رواه عبد الله بن مسعود «أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ والنجم، فسجد، وسجد من كان معه إلّا رجلا «٣» أخذ كفا من حصى وضعه على جبهته وقال: يكفيني هذا، فرأيته قتل بعد كافرا» «٤» ، وليس في هذا الحديث أدنى دلالة على أن الذين سجدوا معه هم مشركون، بل الذي يفيده قوله: «فرأيته قتل بعد كافرا» أنه كان مسلما ثم رأيته ارتدّ، وهذا ما حصل من بعض ضعاف القلوب الذين لم يتحمّلوا الأذى، فكفروا منهم: علي بن أمية بن خلف. هذا ولما رجع مهاجرو الحبشة إلى مكة لم يتمكن


(١) اية ١٤٢.
(٢) سورة النجم اية ٣.
(٣) فبعض الناس يقول إنما الذي رفع التراب وسجد عليه الوليد، وبعضهم يقول: أبو أحيحة سعيد بن العاص، وبعضهم يقول كلاهما فعل ذلك. والظاهر حسب قول المؤلف أبو أحيحة لأن الوليد لم يسلم بل عاش طول حياته كافرا ومات كافرا.
(٤) رواه البخاري.

<<  <   >  >>