للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كان عمله في هذه الواقعة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ «١» وكان عدة من خرج من المشركين تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير «٢» أما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يكن يعرف شيئا مما فعله المشركون، ولم يكن خروجه إلّا للعير، فعسكر ببيوت السقيا خارج المدينة، واستعرض الجيش فردّ من ليس له قدرة على الحرب، ثم أرسل اثنين يتجسّسان الأخبار «٣» عن العير. ولما بلغ الروحاء «٤» جاءه الخبر بمسير قريش لمنع عيرهم، وجاءه كبراء الجيش وقال لهم:

«أيها الناس إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين أنها لكم العير أو النفير» فتبيّن له عليه الصلاة والسلام أن بعضهم يريدون غير ذات الشوكة وهي العير ليستعينوا بما فيها من الأموال، فقد قالوا هلا ذكرت لنا القتال فنستعد، وجاء مصداق ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «٥» . ثم قام المقداد بن الأسود «٦» رضي الله عنه فقال:

يا رسول الله امض لما أمرك الله فو الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:

اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد «٧» لجالدنا معك من دونه، حتى تبلغه فدعا له بخير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أشيروا عليّ أيها الناس وهو يريد الأنصار، لأن بيعة العقبة ربما يفهم منها أنه لا تجب عليهم نصرته إلّا ما دام بين أظهرهم. فإن فيها: يا رسول الله إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا، فإذا


(١) سورة الأنفال اية ٤٨.
(٢) قال الأموي: كان مع المشركين ستون فرسا وستمائة درع، وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسان وستون درعا.
(٣) وهما بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزّغباء حليف بني النجار قال موسى بن عقبة: عدى بن أبي الزغباء مات في خلافة عمر وكان قد شهد بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٤) موضع على ثلاثين أو أربعين ميلا جنوب المدينة الغربي (المؤلف) . (قال الحازمي: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. وقال البكري: هي أقاصي هجر. وقال الهمداني: هو في أقصى اليمن) .
(٥) اية ٧.
(٦) يكنى أبا الأسود أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا، واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان قيل وهو ابن سبعين سنة.
(٧) بالغين المعجمة تضم وتكسر لغتان بعد ميم وألف ودال مهملة وقال ياقوت في المشترك «باب برك ثمانية مواضع بكسر الباء وسكون الراء وكاف وهو أقصى حجر باليمن.

<<  <   >  >>