للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالا: هم وراء هذا الكثيب، فقال لهما: كم هم؟ فقالا: لا ندري. قال كم ينحرون كل يوم. قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. قال: القوم ما بين التسعمائة والألف، ثم سألهما عمن في النفير من أشراف قريش فذكرا له عددا عظيما «١» فقال عليه الصلاة والسلام لاصحابه: هذه مكّة قد ألقت اليكم أفلاذ كبدها «٢» ، ثم ساروا حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا من المدينة بعيدا عن الماء في أرض سبخة «٣» ، فأصبح المسلمون عطاشا بعضهم جنب وبعضهم محدث، فحدّثهم الشيطان بوسوسته، ولولا فضل الله عليهم ورحمته لثنيت عزائمهم، فإنه قال لهم:

ما ينتظر المشركون منكم إلّا أن يقطع العطش رقابكم، ويذهب قواكم فيتحكموا فيكم كيف شاؤوا.

فأرسل الله لهم الغيث حتى سال الوادي، فشربوا واتّخذوا الحياض على عدوة الوادي، واغتسلوا وتوضؤوا وملؤوا الأسقية، ولبدت الأرض، حتى ثبتت عليها الأقدام، على حين أنّ كان هذا المطر مصيبة على المشركين، فإنه وحّل الأرض حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال. ومصداق هذا قوله تعالى في سورة الأنفال وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «٤» وقد أرى الله رسوله في منامه الأعداء كما أراهموه وقت اللقاء قليلي العدة كيلا يفشل المسلمون، وليقضي الله أمرا كان مفعولا. قال تعالى في سورة الأنفال إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «٥» ثم سار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر، فقال له الحباب بن المنذر «٦» الأنصاري وكان مشهورا بجودة الرأي:


(١) هم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية ابن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ودّ.
(٢) قطع كبدها.
(٣) مالحة.
(٤) اية ١١
(٥) اية ٤٣- ٤٤.
(٦) يكنى أبا عمرو شهد بدرا وكان يدعى بأبي الرأي مات في خلافة عمر وقد زاد على الخمسين.

<<  <   >  >>