الاستعمال، ولم تجر عادة الاستعارة في مال الجواد أن يقول المال: هل من طالب؟، هل من سائل، ثم أن يشرد في الآفاق يلتمس من يأخذه، وإنما العادة فيه أن يكون كارهاً لأن يبذل، خائفاً أن يمحق، لأنه يقال: فلان قد أتلف ماله، وقد محقه، فالاستعارة فيه أن يجعل المال شاكياً من التمحيق، وضاجاً من كثرة البذل، كما قال هو في باب من بعد:
قاسى المضير على التلاد كأنما ... يغدو على تفريق مال مذنب
وكما قال:
يلقى بها حر التلاد وعبده ... عند السؤال مصارعاً وحتوفا
وكما قال:
غادرت فيها ما ملكت قتيلا
وكما قال أبو نواس:
بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح
فعيب بقوله:«بح» أنه إفراط في الاستعارة وغلو، وكذلك جرت العادة في غير المال أن يقال للرجل الكثير الاستعمال للماء: قد ضجت منك دجلة، والبحر على وجل، ونحو هذا مما هو على أفواه الناس، وذلك لأن كلما وقع الثلم والمحق لا تكون الاستعارة له إلا الخوف من ذلك، والكره له، كما أنه لو كان سبباً يعقل لما اختار أن يتلف ويستهلك.