خف آهله، يقول:«لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله»، وهذا هو الذي أبلاه؛ لأنه إذا فارق أهله، وتعفت منازله فقد خرب وبلي.
وقال أيضاً:
حييت من طلل لم يبق لي طللا ... إلا وفيه أسى ترشيحه الذكر (١)
قالوا: أتبكي على رسم؟ فقلت لهم: ... من فاته العين هدى شوقه الأثر (٢)
قوله:«لم يبق لي طللا»، والطلل: ما شخص من آثار الديار، والطلل: شخص الإنسان وقامته، يقال: ما أحسن طلله، وإنما يريد طلل الدار، أي لم يبق لي طللاً في دياري ومواطني التي فارقتها، وأخليتها، وعكفت عليه، إلا وفيه أسى أي حزن من أهلي الذين فارقتهم عليَّ، ترشيحه الذكر: أي تنميته، وتربيته الذكر، أي ذكرهم لي (٣) يرشح الحزن على أن يمسكه، ويحفظه، ويقوم عليه حتى يبقى ولا يذهب.
... ولا يجوز أن يريد بالطلل جملة شخصه وقامته، لأن ذلك يكون مثل قولك: ما لزيد إلا وفيه أثر، وما له رأس إلا وفيه شجة، وهذا خطأ؛ إذ ليس له إلا رأس واحد، وجسد واحد، والبيت الثاني جيد بالغ.
وقال البحتري:
لعمر المغاني يوم صحراء أرثد ... لقد هيجت وجداً على ذي توجد (٤)