وصال سقاني الخبل صرفاً ولم يكن ... ليبلغ ما أدت عقابيله الهجر (١)
وباقي شباب في مشيب مغلب ... عليه اختناء اليوم يكثره الشهر (٢)
وليس طليقاً من يروح أو غدا ... يسوم التصابي والمشيب له أسر
تطاوحني العصران في رحويهما ... يسيبني عصر ويقلعني عصر (٣)
متاع من الدنيا استبد بجدتي ... وأعظم جرم الدهر أن يمتع الدهر (٤)
قوله:«وصال سقاني الخيل صرفاً»، يريد أنه لما جاده المشيب حزن على الوصل، وأسف أسفاً شديداً؛ لأنه ليس يجد له مثل ما كان، ولأن محبوبه إن واصل واصل تكلفا، وإن (٥) ذلك لا بقاء له، وإنه ذاهب حتى إن عقابيله -وهي أواخره وبقاياه- لو كان مكانها الهجر لما بلغ من خبله ما بلغت.
وقوله:«مغلب عليه اختناء اليوم»، فالاختناء: الانخزال والتهيب من الشيء، والخشوع له، يريد كاختناء اليوم إذا كاثره الشهر فكثره؛ لأن يوماً لا يكون كشهر في المكاثرة والمفاخرة (٦).
وقال:
تقضى الصبا إلا تلوم راحل ... وأغنى المشيب عن ملام العوذل (٧)
وتأبى صروف الدهر سوداً شخوصها ... على البيض أن يحظين منه بطائل