يقول: فإنه مع هذه الحال يأوي إلى خلق واسع، وصبر على المحن حتى تنكشف.
وقوله:«يثير عجاجة في كل ثغر» أي يطأ كل بلدة مخوفة، وتثير مطيته غبار كل بقعة، ونسب العجاجة إلى عدي بن الرقاع لأن عدياً وصف العير والأتان وما يثيرانه من الغبار في السهل من الأرض، فإذا صارا إلى الحزن لم يوجد لها فيه نقع، فشبهه بملاءة ينشرانها مرة، ويطويانها أخرى فقال:
يتعاوران من الغبار ملاءة ... سوداء داجية هما نسجاها (١)
تطوى إذا علوا مكاناً ناشراً ... وإذا السنابك أسهلت نشراها
وهذا من تشبيهات العرب الموصوفة، فجعل أبو تمام عدياً ممن هام بهذه العجاجة، أتى بوصفها إعجاباً بها، وأن ناقته أيضاً تثير عجاجة في كل ناحية كهذه العجاجة.
وهذا تمحل منه لمعنى غير لائق بما هو بسبيله من ذكره سيره؛ لأنه إن كان أراد أنه أيضاً يثير النقع في السهل، ولا يثيره في الحزن فكل سار فيهما هذه حاله، فما وجه ذكره عجاجة عدي، وإنما حسن من عدي، وصح التشبيه لأن الحمار إذا طلب الأتان فليس يجريان على استقامة بل تراهما بيناهما في الحزن صارا إلى السهل، ثم يعودان إلى الحزن، فتراهما مسهلين ومحزنين لجولانهما، فترى عجاجتهما تثور حيناً، وتلبد حيناً، فصح التشبيه وحسن، والمسافر إنما يمر على سنن واحد فليس يكاد يخرج من سهل إلى حزن؛ ومن حزن إلى سهل في وقت واحد تدركه