للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الكميت:

أرعد وأبرق يا يزيـ ** ـد فما وعيدك لي بضائر

فإلى هذا ذهب البحتري في أن جعل البرق والرعد بإزاء الوعيد والتهدد، قيل: ليس في البيت الأول إفصاح بذكر تهدد ولا وعيد، ولا كل من أراد العقوبة يفصح بالتهدد، وخاصة الملوك والعظماء، ألا ترى إلى قوله:

«قادر لا يعجل»

وبعد، فإن صفح الممدوح إنما هو عن إيقاع المكروه، وصفح السحاب إنما هو عن إسبال المطر، وهذا تشبيه الشيء بضده، فإن قيل: فإن الغيث قد يضر ضرراً عظيماً، إذا جاء في غير حينه، وقد يكون معه الصواعق والغرق وذهاب النفوس، قيل: الأشياء إنما تحمل على الأغلب الأكثر، دون الأخص الأقل، الذي إنما يقع في الفرط.

والغيث إذا أتى فإنه حياة الأرض على كل، وفي أكثر الأمر، وإن ضر، فإن ضرره لا يبين في عظم منفعته والمصلحة بمكانه، وخاصة مواطن العرب، ومحاضرهم ومباديها، التي عليه فيها يعولون، وبه يحيون، وبه يخصبون، فإساءة البحتري عندي في هذا ظاهرة، ألا ترى أنه لو كان في وصف الحرمان فقال:

ملك رأيت البشر منه مبشراً ... بنوال كف تستهل وتمطل

فأبى كما امتنع السحاب ورعده ... قصف وبارقه حريق يشعل

لكانت هذه الألفاط من أليق شيء بهذا المعنى، وأصحها فيه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>