وما أخبر الشرع بعدم وقوعه .. فيمتنع لا لذاته، بل لإخبار الشرع بذلك. قال تعالى:(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص:٦٨].
(وأما الجملة الثانية) وهي (محمد رسول الله) .. فيؤخذ من إضافة الرسول إلى الله فيها وجوب صدقه، وأمانته، وتبليغه عليه الصلاة والسلام، واستحالة ما ينافيها وفي معناه سائر الرسل.
فينافي الصدق الكذب، وينافي الأمانة الخيانة، وينافي التبليغ الكتمان، وذلك أن الله تعالى أرسلهم مشرعين بجميع أقوالهم، وأفعالهم، وصدقهم بالمعجزات وأضافهم إليه، وأوجب على الخلق اتباعهم مطلقاً مع أن علمه محيط بكل معلوم، فوجب لهم الصدق، والأمانة، والتبليغ؛ إذ لو كذبوا أو خانوا أو كتموا .. لما أضافهم العالم بالخفيات إليه، ولكانوا رسل الله في ذلك -لما مر- وغير رسله؛ لعدم صحة نسبة ذلك إليه، وهو محال.
ويلزم أيضاً كون ما كذبوا فيه مأموراً به، منهياً عنه، وهو محال، وما لزم عليه المحال -وهو كذبهم وخيانتهم وكتمانهم- فهو محال. فيثبت صدقهم، وأمانتهم، وتبليغهم، وهو المطلوب.
ويؤخذ من قولنا:(محمد رسول الله) أيضاً جواز الأعراض البشرية التي لا نقص فيها على الرسل؛ إذ لا يقدح ذلك في مناصبهم، بل يقتضي جواز ذلك؛ تحقيقاً لمقام العبودية، ورفقاً بضعفاء العقول، لئلا يظنوا بهم ما هو من خصوص الألوهية، ودليلاً على صدقهم في أنهم رسل الله، وأن الخوارق الظاهرة على أيديهم بمحض خلق الله تصديقاً لهم، وتعظيماً لأجورهم، وتنبيهاً على خسة الدنيا -إذ لو كانت كريمة عنده تعالى .. لما كان الأنبياء أشد بلاء فيها، وبئس الدار التي يبتلى فيها الأخيار، ولذا رفضها كل كريم، وتعلق بها كل لئيم- وتشريعاً للأحكام في نزولها بهم، وتسلياً للأمة من مشاق الدنيا.
ويدخل في قولنا:(محمد رسول الله) الإيمان بجميع ما جاء به؛ لأن ذلك تصديق برسالته وبجميع ما جاء به.
ومن ذلك الإخبار بالأنبياء المرسلين منهم وغيرهم، فيجب: الإيمان بهم، وأنهم أفضل الخلق على الإطلاق، وعددهم: مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، وعدد الرسل منهم ثلاث مئة وثلاثة عشر، أو وخمسة عشر.