في الثاني، ولأن من على دون مسافة القصر من محل كالحاضر فيه، بل حاضر له، قال تعالى:(وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر)[الأعراف:١٦٣]، أي: أيلة، وهي ليست عند البحر، بل قريبة منه.
ومن لمسكنه طريقان إلى الحرم أحدهما دون مرحلتين .. فهو حاضر؛ إذ الأصل براءة الذمة من الدم.
فمن جاوز الميقات غير مريد نسك ثم اعتمر حين عنّ له بمكة أو قربها .. لزمه دم على المعتمد؛ لآنه ليس من الحاضرين، لعدم الاستيطان.
(الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج) من ميقات طريقه، ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة ولو أجيراً فيهما لشخصين، ثم إن أذنا له في التمتع .. فالدم عليهما، أو أحدهما .. فعليه نصفه وعلى الأجير نصفه، كما لو كان أحد النسكين له والآخر لغيره وإذن في القران.
فإن أحرم بها في غير أشهره ثم أتمها ولو في أشهره ثم حج في سنته .. لم يلزمه دم؛ لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج، فأشبه المفرد، ولأن دم العمرة منوط بربح الميقات، وبوقوع العمرة بتمامها في أشهر الحج؛ لأن الجاهلية كانوا لا يزاحمون بها الحج في وقت إمكانه، فرخص في التمتع للآفاقي مع الدم؛ لمشقة استدامة الإحرام من الميقات، وتعذر مجاوزته بلا إحرام.
ولو أحرم آفاقي بعمرة في أشهر الحج وأتمها، ثم قرن من عامه .. لزمه دمان كما قاله البغوي.
لكن صوّب السبكي: لزوم دم واحد للتمتع؛ لأن من وصل مكة فقرن أو تمتع .. فهو حاضر، أي: على الضعيف، القائل بعدم اشتراط الاستيطان في الحاضر ثم قال: نعم؛ إن قيل: الحاضر هو المستوطن .. استقام وجوب دمين مع احتمال فيه من جهة التداخل.
قال (حج) في "الحاشية": والتداخل احتمال له، لكن وجهه قوي، ويؤيده ما مر فيمن أفسد عمرته ثم أدخل عليها الحج.
(الثالث: أن يكونا) اي: الإحرام بالعمرة ثم بالحج (في سنة واحدة).