للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابتاع قيس بن سعد جزورا ونحرها لهم.


فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم في ذلك ففعل، فكان جميعه مزودا بكسر الميم وسكون الزاي ما يجعل فيه الزاد.
وعند مسلم عن أبي الزبير عن جابر بعثنا صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة نلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة وظاهره مخالف لرواية وهب ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب، فلما نفذ وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص اتفق أنه أيضا قدر جراب ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكر الآخر، وأما تفرقته تمرة تمرة فكان في ثاني الحال، وقول عياض يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور مردود بأن حديث وهب صريح في المجتمع من أزوادهم مزود تمر رواية، ورواية أبي الزبير صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فصح أن التمر كان معهم من غير الجراب، وقول غيره يحتمل أن تفرقته عليهن تمرة تمرة كان من الجراب النبوي قصدا لبركته، وكان يفرق عليهم من الأزواد التي جمعت أكثر من ذلك بعيد من ظاهر السياق، بل في رواية هشام بن عروة عند ابن عبد البر، فقلت: أزوادنا حتى ما يصيب الرجل منا إلا تمرة. انتهى.
"وابتاع قيس بن سعد" بن عبادة الصحابي ابن الصحابي الجواد ابن الجواد "جزورا ونحرها لهم"، كذا في النسخ لأفراد، أما على أن المراد به الجنس أو أن الواو زادت من الكاتب وأصله جزرا بضم الجيم والزاي جمع جزور كقوله:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
ويجمع أيضا على جزائر وهو البعير ذكرا كان أو أنثى فلا ينافي ما رواه الواقدي بأسانيده أنهم أصابهم جوع شديد، فقال قيس: من يشتري مني تمرا بالمدينة بجزر هنا؟ فقال له رجل من جهينة من أنت؟ فانتسب. فقال: عرفت نسبك. فابتاع منه خمس جزائر بخمسة أوسق وأشهد له نفرا من الصحابة، وامتنع عمر لكون قيس لا مال له، فقال الأعرابي: ما كان سعد ليخنى بابنه في أوسق تمر بفتح التحتية وسكون الخاء وبالنون يقصر.
قال: وأرى وجها حسنا، وفعلا شريفا فأخذ قيس الجزر فنحر لهم ثلاثة كل يوم جزورا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره، فقال: عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟ قال قيس: يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عني تمر القوم مجاهدين في سبيل الله؟ فكاد أبو عبيدة يلين وجعل عمر يقول: اعزم فعزم عليه فبقيت جزوران، فقدم بهما قيس المدينة ظهرا يتعاقبون عليهما. وبلغ سعدا مجاعة القوم، فقال: إن يك قيس كما أعرف فسينحر لهم. فلما لقيه قال: ما صنعت في مجاعة القوم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>