وللبخاري: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة أي ركعة، ولذا استشكل الإسماعيلي وغيره ما وقع في الصحيح، من رواية مجاهد عن ابن عمر، فسألت بلالا: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين؛ لأن المشهور عن ابن عمر من رواية نافع وغيره: أنه نسي أن يسأل عن كمية الصلاة، والجواب باحتمال أن ابن عمر اعتمد على القدر المحقق؛ لأن بلالا أثبت له الصلاة، ولم ينقل تنفله عليه الصلاة والسلام نهارا بأقل من ركعتين، فتحقق فعل الركعتين لما استقرئ من عادته، فعلى هذا قوله ركعتين من كلام ابن عمر لا بلال، وقوله: نسيت أن أسأله كم صلى؟ أي لم يتحقق أزاد على الركعتين أم لا؟ ويؤيد هذا ويستفاد منه جمع آخر ما رواه عمر بن شبة من طريق آخر، عن ابن عمر بلفظ: فاستقبلني بلال، فقلت: ما صنع صلى الله عليه وسلم ههنا؟ فأشار بيده أن صلى ركعتين بالسبابة والوسطى، فعلى هذا يحمل على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا، وإنما استفاد منه صلاة ركعتين بإشارته، لا بنطقه. ونقل عياض أن قوله: ركعتين غلط من يحيى بن سعيد لقول ابن عمر: نسيت إلى آخره, وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين مردود، والمغلط هو الغالط، فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد، فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بذلك حتى يغلط، بل تابعه أربعة من الحفاظ عن شيخه، وتابع شيخه اثنان عن مجاهد، ثم قد ورد ذلك عن عثمان بن طلحة عند أحمد والطبراني، بإسناد قوي، وعن أبي هريرة عند البزار، وعبد الرحمن بن صفوان في الطباني بإسناد صحيح، وعن شيبة بن عثمان عند الطبراني بإسناد جيد، قال: لقد صلى ركعتين عند العمودين. وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصحابي عن الصحابي وسؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء، به والحجة بخبر الواحد، ولا يقال هو أيضا خبر واحد، فكيف يحتج للشيء بنفسه، لأنا نقول: هو فرد ينضم إلى نظائر مثله توجب العلم بذلك، وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة، والسؤال عن العلم والحرص فيه، وفضل ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم، ليعمل بها، وأن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عنه صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة، ويحضره من هو دونه، فيطلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك. انتهى من فتح الباري كله ملخصا. "وفي إحدى روايات البخاري" في كتاب الصلاة حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر، فذكر الحديث، وفيه فسألت بلالا حين خرج: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟