للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر كعب وصاحبيه حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا


قال الحافظ: مهموز، أي أخر وزنا ومعنى "أمر كعب وصاحبيه" قال كعب في الصحيح: فجئته فلما سلمت عليه تبسم، تبسم المغضب، ثم قال: "تعال" فجلست بين يديه، فقال لي: "ما خلفك ألم تكن ابتعت ظهرك" فقلت: بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك حديث كذب ترضى به عني، لوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد على إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما هذا، فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك". فقمت وثار رجال من بني سلمة، فقالوا: ما علمناك أذنبت قبل هذا، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك، فما زالوا حتى أردت أن أرجع، فأكذب نفسي، فقلت لهم: هل لقي هذا معي أحد، قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما، ونهى صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فذكر الحديث بطوله "حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} أدام توبته عليه وهذا أولى من قول من قال تجاوز عنه إذنه للمنافقين في التخلف وقيل: هو حث للمؤمنين على التوبة على سبيل التعريض؛ لأنه إذا وصف بها المستغني عنها صلى الله عليه وسلم كان باعثا للمؤمنين عليها وإبانة لفضلها "و" تاب على {َالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار} حقيقة إذ، لا ينفك الإنسان عن زلة، أو عن وساوس تقع في قلوبهم {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} حقيقة بأن خرج أولا وتبعوه، مجازا عن اتباعهم أمره ونهيه {فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} أي وقت الشدة والضيق كان الرجلان يقتسمان تمرة، والعشرة يتعقبون البعير الواحد، واشتد الحر حتى شربوا الفرث {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ} بالتاء والياء تمثل {قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} عن اتباعه إلى التخلف، لما هم فيه من الشدة، {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} بالثبات {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} حين تاب عليهم {و} تاب {َعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} عن التوبة.
قال كعب: ليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه، وكذا قال قتادة وعكرمة: خلفوا عن التوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>