للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمدت النار وسكنت، كما روي أن قوما من حملة القرآن يدخلونها فينسيهم الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم حتى يذكرهم جبريل عليه السلام، فيذكرونه فتخمد النار وتنزوي عنهم.

وأما "المقفي" فكذلك، أي: قفي آثار من سبقه من الرسل، وهي لفظة مشتقة من "القفو" يقال: قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفي: أي قفى من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم.

وأما "الأول" فلأنه أول الأنبياء خلقا -كما مر- وكما أنه أول في البدء فهو أول في العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، كما


تعليل قدم على معلوله، وهو "خمدت النار" بفتح الميم "وسكنت" وكأن وجه المناسبة أنه لما سكنت عقب مجيئه انتهى عذاب من شفع فيه وكأنه آخر عذابهم فسمي عاقبا، والإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، لكن قال بعضهم هذا غريب ضعيف، "كما روي أن قوما من حملة القرآن يدخلونها، فينسيهم الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم"، لما أراده من تعذيبهم "حتى يذكرهم جبريل عليه السلام" إكراما لهم، لحملهم القرآن بالمبادرة إلى تخفيف عذابهم، "فيذكرونه" صلى الله عليه وسلم بأي اسم كان، لا بخصوص العاقب وإن سمي به فيها على ما فيه فقط خلاف الظاهر؛ لأنه يصير معنى جاء ذكر، "فيذكرونه فتخمد النار" بضم الميم، "وتنزوي عنهم" تنجمع وتبعد، "وأما المقفى" بكسر الفاء المشددة "فكذلك" أي تسميته بالعاقب، أي هو بمعناه، كما قاله شمر، "أي قفي آثار من سبقه من الرسل" بشد الفاء أيضا، ثم قفينا على آثارهم "وهي لفظة مشتقة من القفو" بفتح القاف، وسكون الفاء، لا بضمهما وشد الواو وإن كان مصدرين؛ لأن الاشتقاق إنما هو من المجرد، لا المزيد، "يقال قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس" لمؤخره، "وقافية البيت" لآخره، والقافية من كل شيء آخره، "فالمقفي، أي قفي من قبله من الرسل" أعاده وإن علم من أول كلامه توطئة لقوله "فكان خاتمهم وآخرهم".
وقال ابن الأعرابي، أي المتبع للأنبياء؛ لأن معنى قفي تبع انتهى. وفيه من الفضل له صلى الله عليه وسلم أنه وقف على أحوالهم وشرائعهم، فاختار الله له من كل شيء أحسنه، وكان في قصصهم له ولامته عبر وفوائد، "وأما الأول، فلأنه أول الأنبياء خلقا، كما مر" أول الكتاب، "وكما أنه أول في البدء، فهو أول في العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض" في الخروج من القبور للحشر، "وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، أي مأذون له في الشفاعة المقبولة، "كما

<<  <  ج: ص:  >  >>