وأما "الفاتح الخاتم" ففي حديث الإسراء عن أبي هريرة من طريق الربيع بن أنس قول الله تعالى له: "وجعلتك فاتحا وخاتما، وفي حديث أبي هريرة أيضا في الإسراء: قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلني فاتحا وخاتما"، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا، وفتح أمصار الكفر، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح والدنيا
"وأما "الفاتح الخاتم" بفتح التاء، وكسرها ذكرهما ابن دحية عن ضبط ثعلب وابن عساكر، فأما بفتحها فمعناه أحسن الأنبياء خَلقا وخُلقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جمال الأنبياء كالخاتم الذي يتجمل به، وأما بالكسر، فهو اسم فاعل من ختمت الشيء أتممته وبلغت آخره، فمعناه آخر الأنبياء، وهو الذي شرح عليه المصنف واستدل بقوله. "ففي حديث الإسراء عن أبي هريرة" مرفوعا "من طريق الربيع بن أنس" البكري البصري نزيل خراسان صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة، أو قبلها روى له أصحاب السنن الأربعة "قول الله تعالى له" فيما خاطبه به ليلة المعراج "وجعلتك فاتحا وخاتما" أي أول الأنبياء وآخرهم، "وفي حديث أبي هريرة أيضا في الإسراء قوله صلى الله عليه وسلم" حيث أثنى على ربه "وجعلني فاتحا وخاتما"، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا" بضم الميم، وسكون الراء، وفتح الفوقية، وجيم خفيفة، ولا تشدد عند الجوهري وغيره، وحكى بعضهم تشديدها أي مقفلا، "وفتح أمصار الكفر" مكة وخيبر والمدينة والبحرين وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام وهاداه هرقل والمقوقس وملوك عمان والنجاشي الذي ملك بعد أصحمة، ثم فتح أيام الصديق بصري ودمشق بلاد حوران وما والاها، ثم في أيام عمر فتح البلاد الشامية كلها ومصر، وأكثر إقليم فارس وكسر كسرى، وفر إلى أقصى مملكته. وفر هرقل إلى القسطنطينية ثم في زمن عثمان فتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وبلاد المغرب بتمامها ومن المشرق إلى اقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، ثم امتدت الفتوحات بعده إلى الروم وغيرها ولم تزل الفتوحات تتجدد إلى الآن. "وفتح به أبواب الجنة" مجازا في الدنيا وحقيقة يوم القيامة، "وفتح به أعينا عميا" الكفر عن طريق الهدى، فلا تراه حتى رأت آيات الله الباهرة، و"آذانا صما" عن سماع الحق، فلا تسمعه سماع قول فسمعته وانقادت له، "وقلوبا غلفا" جمع أغلف أي مغشاة بأغطية، فلا تعي الحق حتى استنارت لقبوله ووعته، "وفتح به طرق العلم النافع و" طرق "العمل الصالح" فسلكها المؤمنون بعد أن غلقا، كما قال علي رضي الله عنه الفاتح، لما استغلق "و" فتح به "الدنيا"، فحكمه فيها، وحمل أهلها على المحجة البيضاء،