للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو صلى الله عليه وسلم عظيم وعلى خلق عظيم.

وأما "الشاكر" و"المشكور" فقد وصف صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا" أي: أترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا؟! والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟ وعلى هذا فتكون "الفاء" للسببية، وقال القاضي عياض: شكورا أي: معترفا بنعم ربي، عالما بقدر ذلك مثنيا عليه، مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك، لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧] .

وأما "الشكار" فهو أبلغ من شاكر، وفي حديث ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه: "رب اجعلني لك شكارا".


مراجعة النقول، "فهو صلى الله عليه وسلم عظيم" كما وصف به في التوراة أي جليل شأنه كامل في ذاته وصفاته، وعلى خلق عظيم" كما وصف به في القرآن، "وأما "الشاكر" اسم فاعل، "والشكور" كثير الشكر، وهو من أسمائه تعالى إن ربنا لغفور شكور، أي المعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، أو المثني على المطيعين، "فقد وصف صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك"، لما صلى حتى تورمت قدماه فقيل له، أتتكلف هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ "فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا"؟ رواه الشيخان، "أي أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا" فالاستفهام الإنكاري يدل على أنه وصف ثابت له، "والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه، وعلى هذا فتكون الفاء للسببية، وقال القاضي عياض في الشفاء تفسيرا لقوله "شكورا، أي معترفا" مقرا "بنعم ربي عالما بقدر ذلك"، أي قدر عظمها، لا عددها لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} الآية، "مثنيا عليه" بلساني، وأركاني، "مجهدا" بزنة متعبا، أي باذلا جهدي وطاقاتي ومتعبا "نفسي في الزيادة من ذلك"، الاعتراف والثناء "لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} " من النعم التي شكرتموها وعدا ممن لا يخلف الميعاد، "وأما "الشكار" فهو أبلغ من شاكر" ومن شكور؛ لأنه ينبيء عن وجود الشكر وكماله. وشكار ينبئ عن تكرار الشكر وكثرته وصيرورته كالطبيعة له، وصرح أبو بكر بن طلحة النحوي بتفاوت صيغ المبالغة، كما مر، "وفي حديث ابن ماجه" عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه "رب اجعلني لك شكارا" قيل الشاكر الذي يشكر على العطاء، أو على الموجود والشكور الذي يشكر على البلاء، أو على المفقود، وحكي أن شقيقا البلخي سأل جعفر الصادق عن الفتوة، فقال: ما تقول أنت، فقال: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا، فقال جعفر: هكذا تفعل كلاب المدينة، فقال شقيق: يابن رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>