للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"الصفوح" فمعناهما واحد، وقد وصفه الله بهما في القرآن والتوراة والإنجيل، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وأمره تعالى بالعفو كما قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: ١٩٩] وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: ١٣] .

وأما "العطوف".


المبالغ في العفو عن السئيات وهو محوها وإزالتها، ولذا قيل إنه أبلغ من الغفور؛ لأنه من الغفر، وهو الستر، ولا يلزم منه الإزالة، "والصفوح" صيغة مبالغة من الصفح، وهو الإعراض عن الذنب، كما في الصحيح، "فمعناهما واحد" كما قال عياض: من حيث إن حاصل معنى كل الإعراض عن السيئات، وإن قيل الصفوح أبلغ؛ لأن الإنسان، قد يعفو، ولا يصفح، وقيل العفو أبلغ؛ لأن الصفح إعراض عن المؤاخذة، والعفو محو الذنب ومن لازمه الإعراض، ولا عكس، "وقد وصفه الله بهما في القرآن" إذ أمره بهما فيه فقال: فاعف عنهم واصفح، كما سيقول، فامتثل صلى الله عليه وسلم للأمر وتخلق به، فيقتضي الاتصاف به على أبلغ وجه، وأتمه إذ كان جبلة له؛ لأنه لا يعصي له أمرا، فلا يرد أنه لم يصفه في القرآن إنما أمر ولو سلم اتصافه به، لا يقتضي كونه على وجه المبالغة التي دل عليها فعول، والأمر لا يقتضي التكرار على الأصح "والتوراة ولإنجيل، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي" الصحابي ابن الصحابي.
"عند البخاري" عن عطاء بن يسار، قال لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن الحديث وفيه، "ولا يجزي بالسيئة السيئة" فلا يسيء لمن أساء إليه "ولكن يعفو ويصفح" فقد وصفه بهما في الكتابين، "و" أما في القرآن، فقط "أمره تعالى بالعفو، كما قال تعالى خذ العفو" بناء على أن المراد به الصفح، لما روي أنه سأل جبريل: "ما هذا"؟ قال: لا أدرى حتى أسأل ربي فسأله، ثم رجع، فقال: إن ربك أمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك.
ذكره البغوي، والقرطبي، والذي عليه الأكثر أن العفو المال الفاضل عن نفقة العيال، كما في قوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ، ثم نسخت بآية الزكاة فلا شاهد فيها، ولذا أتى بدليل ثان بقوله: وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: ١٣] ، فامتثل الأمر حتى صار جبلة له، فأفاد الوصف بهما، ومواطن العفو، والصفح منه، لا تحصى، والمصنف تابع لعياض، ولم يذكر شيئا عن الإنجيل؛ لأن الراوي الصحابي صرح بأن ذلك في التوراة، "وأما العطوف، فهو الشفوق" حقيقة على مقتضى المصباح، والقاموس لكن صرح الشامي بأنه مجاز، فقال صفة

<<  <  ج: ص:  >  >>