للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو الشفوق، وسمي به عليه الصلاة والسلام لكثرة شفقته على أمته، ورأفته بهم.

وأما "النور" فقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} [المائدة: ١٥] قيل: محمد صلى الله عليه وسلم وقيل القرآن، فهو نور الله الذي لا يطفأ.

وأما "السراج" فسماه تعالى به في قوله: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: ٤٦] لوضوح أمره، وبيان نبوته، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به، فهو نير في ذاته.


مشبهة من العطف، وهو الإنشاء، يقال عطف الغصن إذا أماله، ثم استعير للميل، والشفقة إذا عدي بعلى، وإذا عدي بعن كان على الضد من ذلك "وسمي به عليه الصلاة والسلام لكثرة شفقته على أمته ورأفته بهم" كما قال حسان:
عطوف عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنف يحنو عليهم وبمهد
"وأما النور" وهو من أسمائه تعالى، أي ذو النور وخالقه، أو منور السماوات والأرض بالأنوار، أو قلوب المؤمنين بالهداية، قاله عياض كغيره، وهو المشهور، وذهب الغزالي، والحكماء إلى أنه حقيقة في ذات الله؛ لأن معناه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وقال الأشعري نور ليس كالأنوار، "فقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} الآية، "قيل النور هنا محمد صلى الله عليه وسلم لظهور آياته، وقيل القرآن لإزالته ظلمة الكفر، والجهل "فهو" أي المذكور من كل منهما "نور الله الذي لا يطفأ" حكاهما عياض وغيره على حد سواء، فتبعهم المصنف، ولكن الأصح الأول، فقد انتصر عليه الجلال، وقد التزم الاقتصار على الأصح، ولا يشكل عليه إفراد الضمير في قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه مع تغايرهما وعطفهما بالواو لرجوعه إليهما معا باعتبار المذكور، أو لأنهما معا كالشيء الواحد، وهداية أحدهما عين هداية الآخر، وقد صرح الفراء بجواز مثله جوزا مطردا، وبه وردت آيات كثيرة، وأنشد عليه:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريا ومن هول الطوى رماني
وقال ابن عباس عند ابن مردويه، وابن عمر عند الطبري وسعيد بن جبير وكعب الأحبار في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة} ، المراد بالنور هنا محمد صلى الله عليه وسلم، "وأما السراج" المنير، "فسماه تعالى به في قوله وسراجا منيرا"، مفعلا من أنار إنارة، وهو راجع إلى النور.
سمي بذلك على نهج الاستعارة، أو التشبيه البليغ، كما قال "لوضوح أمره" كالسراج المنير الذي لا يخفى "وبيان نبوته" أي كونها ظاهرة تضيء ضوء السراج في الليلة الظلماء، "وتنوير قلوب المؤمنين" والعارفين" به "بما جاء به" فاستضاءوا به من ظلمات الجهالة، واقتبسوا من نوره أنوار البصائر؛ لأن الله أمدها بنور نبوته، كما أمد بنور السراج أنوار الأبصار، "فهو نير في ذاته"

<<  <  ج: ص:  >  >>