للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية".


الكتاب ينكحون ما يستحيا من نكاحه، ويأكلون ما يتكرم عن أكله، ويعبدون في الدنيا نارًا تأكلهم يوم القيامة، ولست بعديم عقل ولا رأي، فانظر هل ينبغي لمن يكذب في الدنيا أن لا تصدقه، ولمن لا يخون أن لا تأمنه، ولمن لا يخلف أن لا تثق به, فإن كان هذا هكذا، فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به, أو ليته زاد في عفوه، أو نقص من عقابه؛ إذ كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل النظر، فقال: المنذر: قد نظرت في هذا الذي في يدي، فوجدته للدنيا دون الآخرة، ورأيت في دينكم، فرأيته للآخرة والدنيا، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت، ولقد عجبت أمس ممن يقبله، وعجبت اليوم ممن يرده، وإن من إعظام ما جاء به أن يعظم رسوله، وسأنظر. انتهى. أي: فيما أصنع من الذهاب إليه، أو مكاتبته, أو غير ذلك، لا في أنه يسلم أو لا, فإن قوله: وعجبت اليوم ممن يرده, اعتراف منه بأنه دين حق، والأمنية في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر، والعاقل لا يقدر إلا ما فيه فلاحه، "وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه" من مال وزوجات أربع يحل نكاحهن، "وعفوت عن أهل الذنوب" المتقدمة منهم في الكفر, من زنا وشرب ونكاح محارم وسب وغير ذلك؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، "فاقبل منهم" الإسلام، ولا تؤاخذهم بما مضى، فإن الله يقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] ، "وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك"، بل نقيمك فيه نائبا عنا، "ومن أقام على يهوديته أومجوسيته فعليه الجزية".
وأخرج ابن منده عن زيد بن أسلم عن المنذر بن ساوى: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه أن افرض على كل رجل ليس له أرض أربعة دراهم وعباءة.
وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أخذت منهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود, كتب -صلى الله عليه وسلم- إلى المنذر بن ساوى: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم له ذمة الله ورسوله".
وذكر أبو جعفر الطبري: أن المنذر هذا مات بالقرب من وفاته -صلى الله عليه وسلم، وحضره عمرو بن العاص، فقال له: كم جعل -صلى الله عليه وسلم- للميت من ماله عند الموت، فقال: الثلث، قال: فما ترى أن أصنع في ثلثي، قال: إن شئت قسمته في سبل الخير، وإن شئت جعلت غلته بعدك على

<<  <  ج: ص:  >  >>