للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: أردفه به عونًا له ومساعدًا، ولهذا لما قال له الصديق: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور، وأمَّا الرافضة فقالوا: بل عزله، وهذا لا يبعد من بهتهم وافترائهم.

وقد ولّى -صلى الله عليه وسلم- على الصدقات جماعة كثيرة.

"رسله -صلى الله عليه وسلم":

وأما رسله -صلى الله عليه وسلم، فقد روي أنه -عليه الصلاة والسلام- بعث ستة نفر في يوم واحد، في المحرم سنة سبع. وذكر القاضي عياض في الشفاء مما عزاه للواقدي: إنه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم.


الصديق ليقيم للناس الحج، قيل: يا رسول الله, لو بعث بها إلى أبي بكر، قال: "لا يؤدي عني إلّا رجل من أهل بيتي"، دعا عليًّا، فقال: "اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذّن في الناس يوم النحر" الحديث. لكن روى أحمد والترمذي، وحسَّنه عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث ببراءة مع أبي بكر، فلمَّا بلغ الحليفة قال: "لا يبلغها إلّا أنا، أو رجل من أهل بيتي"، فبعث بها مع علي.
رواه أحمد والطبري من حديث عليّ بنحوه، وفيه: إن أبا بكر رجع، وقال: نزل فيّ شيء يا رسول الله؟ قال: "لا, أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض، ولكن جبريل قال لي: لا يؤدي عنك إلّا أنت، أو رجل منك"، ولم يتعرض الحافظ لجمع، ولا ترجيح، كأنه لظهور الترجيح؛ لأن رواية نزولها بعد خروج أبي بكر مرسلة، ورواية نزولها قبل خروجه مسندة وإسناده حسن، "وقيل: أردفه به عونًا له ومساعدًا" عطف تفسير، "ولهذا لما قال له الصديق" أنت "أمير أو مأمور" بالمساعدة لي، فتكون تحت أمري، "قال: بل مأمور. وأمَّا الرافضة فقالوا: بل عزله، وهذا لا يبعد من بهتهم" تقول: "وافترائهم" كذبهم على المصطفى فيما يوافق أغراضهم، "وقد ولَّى -صلى الله عليه وسلم- على" جمع "الصدقات" الزكوات والقيام بأمرها "جماعة كثيرة", سيذكر بعضهم قريبًا.
قال ابن القيم: لأنه كان على كل قبيلة والٍ يقبض صدقاتها، فمن هنا كثر عمَّال الصدقات، "وأمَّا رسله -صلى الله عليه وسلم، فقد روي" عن ابن سعد "أنه -عليه الصلاة والسلام" لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتبًا، و"بعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع"، فأفادت هذه الرواية بما زدته منها أنَّ العزم على الإرسال والكتب في ذي الحجة، وتأخَّر البعث إلى أوّل المحرم، فخرجوا في يوم واحد، وهي رواية واحدة, فلا ينافي بعضها بعضًا، كما هو ظاهر.
"وذكر القاضي عياض في الشفاء، مما عزاه للواقدي, أنه أصبح كل رجل منهم يتكلّم بلسان القوم الذين بعثه إليهم"، من غير مضيّ زمان يمكن فيه التعلّم، معجزة له -صلى الله عليه وسلم, حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>