للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أوّل رسول بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك الحبشة، وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذه النجاشي ووضعه على عينيه, ونزل عن سريره، فجلس على الأرض, ثم أسلم وشهد شهادة الحق, وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته


يفهموا ما يقال، ولا ينافي هذا دعاء بعض الملوك الترجمان؛ لأنه من تعاظم العجم، وما ذكره الواقدي له شواهد، فأخرج ابن سعد عن بريدة الزهري، ويزيد بن رومان، والشعبي, أنه -صلى الله عليه وسلم- بعث عدة إلى عدة، وأمرهم بنصح عباد الله، فأصبح الرسل كل رجل منهم يتكلّم بلسان القوم الذين أرسل إليهم، فذكر ذلك -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هذا أعظم ما كان من حق الله في أمر عباده".
وروى ابن أبي شيبة من مرسل جعفر بن عمرو, بعث -صلى الله عليه وسلم- أربعة: رجلًا إلى كسرى، ورجلًا إلى قيصر، ورجلًا إلى المقوقس، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم، وكان جعفرًا لم يحفظ بقية الستة.
وقد روى الطبراني عن المسور بن مخرمة الصحابي، قال: خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه، فقال: "إن الله بعثني للناس كافّة، فأدوا عني وا تختلفوا علي"، فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى، وسليطًا إلى هوذة، والعلاء إلى المنذر، وابن العاص إلى ملكي عمان، ودحية إلى قيصر، وشجاعًا إلى الحارث، وعمرو بن أمية إلى النجاشي. فعدَّهم سبعة، وزاد أصحاب السير جماعة غيرهم، ففي هذا موازاة الصحابة للحواريين، فقد روى ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن إسحاق في السيرة, أنه -صلى الله عليه وسلم- قام على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وتشهَّد ثم قال: "أما بعد، فإني أبعث بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى، وذلك أن الله بعث إليه أن أبعث إلى ملوك الأرض، فبعث الحواريين، فأمَّا القريب مكانًا فرضي، وأما البعيد مكانًا فكره، وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهمَّ أمرت الحواريين بالذي أمرت، فاختلفوا علي، فأوحى الله إليه أني سأكفيك، فأصبح كل إنسان يتكلّم بلسان الذين أرسل إليهم"، فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدًا في شيء, فمرنا وابعثنا, "وكان أول رسول بعثه -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمري" نسبة إلى جدِّه ضمرة -بفتح فسكون كما تقدَّم مرارًا, "إلى النجاشي ملك الحبشة, وكتب إليه كتابين, يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن"، أي: بعضه، "فأخذه النجاشي، ووضعه على عينيه" تبركًا وتعظيمًا، "ونزل عن سريره، وجلس على الأرض" تواضعًا لله على هذه النعمة التي ساقها إليه، "ثم أسلم وشهد وشهادة الحق"، إضافة بيانية، أي: هي الحق. "وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته"، لكنِّي لا أستطيع ذلك خوفًا من خروج الحبشة،

<<  <  ج: ص:  >  >>