للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أوّل من أسلم شاعرهم.

وكان أشد شعرائه -عليه الصلاة والسلام- على الكفار حسان وكعب.

ولما رجع -عليه الصلاة والسلام- من تبوك, وفد عليه همدان، وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية، جعل مالك النمط يرتجز بين يديه


فإنَّ في حربهم فاترك عداوتهم ... شرًّا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يوازره ... فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم ... إن جد بالناس جد القول، أو سمعوا
قال: فقال الأقرع بن حابس، وأبى أن هذا الرجل المؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا، فلمَّا فرغ القوم أسلموا، "وكان أوَّل من أسلم شاعرهم" الزبرقان بن بدر، لا الأقرع بن حابس، فإنه وفد قبلهم، وأسلم وشهد الفتح وحنينًا والطائف، وكان من المؤلَّفة، وحسن إسلامه، ولما حضر وفد قومه بني تميم كان معهم، كما ذكره بن إسحاق، قال: وجوزهم -صلى الله عليه وسلم، فأحسن جوائزهم، "وكان أشد شعرائه -عليه الصلاة والسلام- على الكفار حسَّان"؛ لأنه كان يقبل بالهجو على أنسابهم فيألمون، ويزيّف آراءهم، ويلزمهم الحجة التي لا يستطيعون لها ردًّا.
"وكعب" بن مالك كان كثير المناقضة، ويخوّفهم بالحرب، وابن رواحة يعيرِّهم بالكفر، وكانوا لا يبالوا بأهاجيه، فلمَّا أسلم من أسلم منهم وجدوا أهاجيه أشد وأشق، وفي مسلم عن عائشة، قال -صلى الله عليه وسلم: "اهجوا المشركين، فإنه أشد عليهم من رشق النبل"، فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: "اهجهم"، فهجاهم، فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان، فقال: "قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه"، ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه، ثم قال: والذي بعثك بالحق لأفرينّهم بلساني فري الأديم، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابهم، وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخّص لك نسبي"، فأتاه حسان ثم رجع، فقال: يا رسول الله، لقد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق نبيًّا لأسلنك، كما تسلّ الشعرة من العجين. الحديث، "ولما رجع -عليه الصلاة والسلام- من تبوك وفد عليه" من جملة الوفود سنة تسع "همدان" بفتح فسكون، "وعليهم مقطعات" ثياب قصار؛ لأنها قطعت عن لوث القمام، أو كلّ ما يفصّل ويخيط من قميص وغيره، كما في النهاية, "الحبرات" بكسر المهملة وفتح الموحدة, جمع حبرة, برود تصنع باليمن، "والعمائم العدنية" بفتحتين، نسبة إلى مدينة باليمن معروفة "جعل مالك النمط"، كذا في النسخ، وصوابه: ابن النمط بن قيس الهمداني، الصحابي "يرتجز بين يديه

<<  <  ج: ص:  >  >>