للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت تركّز أمامه فيصلي إليها.

وكان له -عليه الصلاة والسلام- مغفر من حديد يسمَّى السبوغ، أو ذا السبوغ، وآخر يسمى: الموشح.


إن النجاشي أهداها للنبي -صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤيد أنها كانت على صفة الحربة؛ لأنها من آلات الحبشة.
وقد روى عمر بن شبة في أخبار المدينة, من حديث سعد القرظ: إن النجاشي أهدى له -صلى الله عليه وسلم- حربة، فأمسكها لنفسه، فهي التي يمشي بها مع الإمام يوم العيد، ومن طريق الليث بن سعد بلاغًا أنها كانت لرجل من المشركين، قتله الزبير بن العوام يوم أُحد، فأخذها منه -صلى الله عليه وسلم، فكان ينصبها بين يديه إذا صلى، ويحتمل الجمع بأن عنزة الزبير كانت أولًا قبل حربة النجاشي. انتهى، لكن هذا البلاغ مخالف لما في الصحيح، أنَّ الزبير لقي يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص، قال: فحملت عليه بالعنزة، فطعنته في عينه فمات، ولقد وضعت رجلي على عينه، ثم تمطأت، فكأن الجهد أن نزعتها، وقد انثنى طرفها، قال عروة: فسأله إياها -صلى الله عليه وسلم، فأعطاه، فلما قُبِضَ أخذها، ثم طلبها أبو بكر، فأعطاه إياها، فلمَّا قُبِضَ أخذها، فسألها عمر، فلمَّا قُبِضَ أخذها، ثم طلبها عثمان، فأعطاه، فلمَّا قُتِلَ وقعت عند علي، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قُتِلَ، فإن هذا ظاهر أنها كانت للزبير، لا للمشرك الذي قتله، وقد نقل ابن سيد الناس وغيره: أن الزبير قدم بها من الحبشة، "وكانت" كما في الصحيح عن ابن عمر "تركز" بفوقية مضمومة وكاف مفتوحة فزاي، أي: تغرز له الحربة، "فيصلي إليها"، أي: إلى جهتها.
وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عمر: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج إلى العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثَمَّ اتخذها الأمراء، "وكان له -عليه الصلاة والسلام- مغفر" بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الفاء ثم راء "من حديد"، صفة لازمة على أنه ما نسج من زرد الدرع، أو مخصصة على أنه ما يلبس على الرأس مثل القلنسوة، وقد مَرَّ الكلام فيه غير مرة، منها في فتح مكة، "يسمَّى: السبوغ" بفتح السين المهملة وضمها فموحدة، فواو فغين معجمة، كما في النور، بمعنى: السابغ، أي: الطويل، "أو ذا السبوغ" بالفتح والضم أيضًا على ما في النور، وفي القاموس: ضمهما، أي: ذا الطول، وهو ظاهر, قول الخلاصة:
وفعل اللازم مثل قعدا ... له فعول باطراد كغدا
فكأنه على الفتح استعمل بمعنى الفعل الذي هو المصدر، وهو الستر اللازم للطول، وإن كان ذلك الاستعمال قليلًا، "وآخر يسمَّى الموشح" بضم الميم وفتح الواو والشين المعجمة المشددة والمهملة, وترك المصنّف هنا من آلات الحرب اللواء والراية؛ لأنه قدَّم الكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>