للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد شرف فيهم ودرس كتبهم، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرَّفوه ومَوَّلُوه، وكان يعرف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم, وشأنه وصفته, مما علمه من الكتب المتقدمة, ولكن حمله جَهْلُه على الاستمرار في النصرانية، لما يرى من تعظيمه ووجاهته عن أهلها.

فدعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، فقال: "إن أنكرتم ما أقول فهلمَّ أباهِلكم".


أيا أخوينا عبد شمس ونوفلًا ... أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
"قد شرف فيهم، ودرس كتبهم" عطف علة على معلول، "وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرَّفوه وموَّلوه" أي: جعلوا له مالًا يتخذ قنية؛ لحبهم من تدين من العرب بدينهم، "وكان يعرف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وشأنه وصفته, مما علمه من الكتب المتقدمة، لكن حمله جهله على الاستمرار في النصرانية، لما يرى من تعظيمه ووجاهته عن أهلها" وسماه: جاهلًا وإن كان عالمًا، تنزيلًا له منزلة الجاهل؛ لأنه لم يعمل بعلمه، فهو والجاهل سواء، أو لأنّ عناده حمله على تأويلات باطلة لشبه واهية، فهي فاسدة، فصاحبها جاهل، والأحسن أن المراد بالجهل: السفه والخطأ، فإنه يطلق عليهما لغة، "فدعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فامتنعوا،" فلم يؤمنوا، "فقال: "إن أنكرتم ما أقول" بأن اعتقدتم بطلانه، فلا ينافي قوله: فامتنعوا، أو المعنى: إن دمتم على إنكاركم وعنادكم ظلمًا وعدوانًا، "فهلُمَّ أُبَاهِلُكم"، أي: ألاعنكم؛ بحيث يلعن كلٌّ منَّا الكاذب، كما قال تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٦١] .
قال البيضاوي: البهلة -بالضم والفتح- اللعنة، وأصله: الترك, من قولهم: بهلت الناقة، إذا تركتها بلا صرار, وهو بصادٍ وراءين مهملات بينهما ألف.
قال الجوهري: صررت الناقة: شددت عليها الصرار، وهو خيط يشد فوق الخلف، لئلّا يرضعها ولدها.
روى البيهقي في الدلائل: إنه -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: "بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد النبي.." الحديث. وفيه: فأتوه، فسألهم، وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى؟ قال: " ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم"، فأصبح الغد، وقد أنزل الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران: ٥٩] الآية، إلى قوله: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٦١] .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: إن رهطًا من نجران قدموا على النبي، فيهم

<<  <  ج: ص:  >  >>