للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث إلا أمينًا، فقال: "لأبعثن معكم رجلًا أمينًا حق أمين". فاستشرف لها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلمَّا قام قال -صلى الله عليه وسلم: "هذا أمين هذه الأمة".


"زاد في رواية ابن مسعود عند الحاكم" لفظة "أبدًا، ثم قالا: إنا نعطيك ما سألتنا", في رواية ابن مسعود، فأتيا فقالا: لا نلاعنك، ولكنَّا نعطيك ما سألت، أي: في كتابك من الجزية، إن لم يسلموا.
ففي رواية البيهقي أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب إليهم، يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم، فقد آذنتكم بحرب.
وفي رواية ابن أبي شيبة، وأبي نعيم، وغيرهما؛ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران"، لو تمموا على الملاعنة، ولما غدا إليهم أخذ بيد حسن، وحسين، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: "إذا أنا دعوت فأمِّنوا"، فقال أسقفهم: إني لأرى وجوهًا، لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من جباله لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، والله لقد عرفتم نبوَّته، ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم، أي: عيسى، فوالله ما باهل قوم نبيًّا إلّا هلكوا، فإن أبيتم إلا دينكم، فوادعوا الرجل وانصرفوا، فقالوا: يا أبا القاسم, لا نلاعنك، فقال: "فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم"، فأبوا، قال: "فإني أنذركم"، قالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكنَّا نصالحك، فصالحهم، وقال: "والذي نفسي بيده, إن العذاب تدلَّى على أهل نجران، ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضَّطرم عليهم الوادي نارًا، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر"، "وابعث معنا رجلًا أمينًا" يأخذ ما تجعله علينا، "ولا تبعث معنا إلا أمينًا" ذكره بعد سابقه؛ لأنه لا حصر فيه، فيصدق بما لو بعث مع الأمين غيره، "فقال: "لأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حق أمين"، أي: بالغًا في الأمانة، ففيه توكيد، والإضافة فيه نحو قولهم: إن زيد العالم، حق عالم، وجد عالم، أي: عالم حقًّا وجدًّا، يعني: عالم يبالغ في العلم جدًّا، ولا يترك في الجد المستطاع منه شيئًا، "فاستشرف لها" أي: تطلَّع "أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم" ورغبوا فيها، حرصًا على نيل صفة الأمانة البالغة، لا على الولاية من حيث هي.
وفي رواية أبي يعلى عن ابن عمر: سمعت عمر يقول: ما أحببت الإمارة إلا مرة واحدة، فذكر هذه القصة، وقال في آخرها: فتعرضت أن تصيبني، "فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلمَّا قام، قال -صلى الله عليه وسلم: "هذا أمين هذه الأمة"، والأمين هو الثقة الرضي، وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره، لكن السياق يشعر بأنه له مزيدًا في ذلك، لكن خص النبي -صلى الله عليه وسلم- كل أحد من الكبار بفضيلة، وصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، كالحياء لعثمان، والقضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>